& سمير عطا الله

&

لم يكن للرئيس عبد العزيز بوتفليقة سوى الأصدقاء والموالين. وخارج الجزائر، في العالم الثالث، كان لوزير الخارجية الشاب، المعجبون. يجول في المحافل الدولية، موزعاً ابتسامة النصر في حرب التحرير، مرسلاً على كتفيه تسريحة شعر تشي غيفارا، هوية الثورة والشباب والأمل المنشود، على طريقة «الهوى والشباب والأمل المنشود بين يدي».


سحر سي عبد العزيز مواطنيه في الجزائر وفي عالم الأحرار، بحيويته وفصاحته ولغة عربية جمالها في بلاغتها. كان محرك العالم الثالث في المؤتمرات والقمم والمحافل. وكان صوت هواري بومدين وصورته. ولما قرر التغيب عن الجزائر، والابتعاد عن حلبة الصراع بين الرفاق، وعن حلبة الدماء بين الخصوم، عاش في الخارج كريماً مكرماً، لا يسيّره سوى كرامته. أحبّه العرب والناس بعيداً عن السياسة، كما أحبوه فيها. وعامله الفرنسيون، أعداء الأمس، كرمز من رموز التحرر والمصالحات.
ولما حانت ساعة عودته إلى الجزائر، عاد رافعاً أجمل شعار في تاريخها بعد الاستقلال: الوئام. ومعه لم يبقَ الوئام شعاراً، بل صار حقيقة. واستوت السياسة في الداخل كما برعت الدبلوماسية في الخارج. وصار للجزائر رئيس من أبطال حرب التحرير ومن أعمدة استقرار السلام. أربع ولايات تميزت بأن صاحبها جزء من شهادة الماضي وحياة المستقبل. المخضرم الذي عاش في الجاهلية وبرز في الإسلام.


أعطى الجزائر من شبابه ومن ألقه، ثم من تجربته وحكمته وسعة الصدر وسعة الأفق. وعندما اصطدم قدره بالمرض، استعار من شبابه وصلابته وصموده. ولعله أدرى بالمسؤوليات والطاقات. وليس الأقل معرفة بشؤون الجزائر وتحديات المرحلة. ولذا، فقرار الترشح قراره أولاً. هو قرار كرامته كمناضل وسياسي ورئيس. قراره أن يخوض معركة الولاية الخامسة بنفسه أو أن يتبنى خلفاً فيه الكثير من صفات الرئيس المستحق. ثم إن المسألة مطروحة على التصويت أمام الجزائريين. فإذا كان الترشح قراره، فالخيار خيارهم. لكن كان الأفضل أن تبقى المسألة سياسية لا أن تتحول إلى موضوع عاطفي في أكثر من اتجاه، وامتحان للفريقين، الشعب والرئيس. فسواء جيّر الخيار منذ الآن أو قرر الاستمرار في المسؤولية، فإن أحداً لا يستطيع أن يجرده من تاريخه ومن سيرته. لقد خدم الجزائر في ماضيها وحاضرها.&
هم ينتخبون وهم يختارون. وهي لحظة خيار كبرى عند بوتفليقة أيضاً: إما أن يقرر الاستمرار أو أن يساعد الجزائريين، كالعادة، في الخيار.

&