&عواجي النعمي& & &

إن الوعي الكامل والرؤية المطلقة قلما يتوفران في أي إنسان. فالنمط العقلي لكل شخص له حدود لا يستطيع تجاوزها، وقد تجد بعض المزايا في مجموعة من الأشخاص يفتقدها آخرون والعكس صحيح، قال تعالى (نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم). ومعظمنا جبل على الاعتداد برأيه ومعتقداته، وأن ما يخالف تلك الآراء والمعتقدات هو الجهل والخطأ. وقلما تجد شخصا ينظر إلى تجارب الناس المخالفة ويسمع لأفكارهم ومعتقداتهم، لأنه في قرارة عقله الباطني مؤمن بشكل تام بأن تلك الآراء المخالفة هي ناقصة وغير ناضجة. الآراء المخالفة قد يكون هناك احتمال ولو بسيط أنها هي الحقيقةـ وأن الآراء التي نتشبث بها هي الخاطئة. وفي المقابل يجب ألا نتلقى الرأي الآخر وكأنه نص لا اجتهاد فيه بل علينا أن نفكر ونبحث للوصول إلى الحقيقة. المستقبل بتطوره الحالي يفرض علينا أن نكون شركاء مع الآخرين في الانفتاح والفكر والعلم والتقنية، وألا نتقوقع بأفكارنا ومعتقداتنا، وكذلك ألا نكون مجرد أشخاص يتلقفون ما يسمعون ويطبقونه دون رؤية وبصيرة.


علينا أن نصغي لما يقوله المخالفون عنا وهنا أتحدث عن المخالفين وليس الكارهين، فالحاقد والحاسد لن يقنعهما العقل ولن تثنيهما الأفكار، ولن يذهب سواد قلبه مهما كانت المحاولات. دعونا نستمع للصوت المخالف ونحاول أن نفسر الأمور من منظور أفكارهم ومعتقداتهم وخلفياتهم الثقافية. والاستماع للرأي الآخر مهم لتوسيع الرؤية وجعلها أكثر وضوحا، وعلينا أن نستفيد من أدوات النقد والتحليل المنهجي. وكما هو معروف فالفئة التي تنغلق على نفسها وتتشبث بإرثها الفكري تكون محدودة في طرحها ضعيفة في منافستها. فالانغلاق يجعلنا في مكان مغلق لا نعرف ما يدور خارجه. إن الانفتاح على الآخرين ومعرفة الأفكار الجديدة مهمان في عصرنا هذا لكل الجهود التي ترمي إلى الإصلاحات والتحسين. وفي المقابل وقبل هذا الانفتاح علينا أن نحصن عقولنا عن المعلومات الزائفة والأفكار الزائلة، وأن نحكم العقل في اختياراتنا وألا تغلب علينا الأهواء والرغبات.


لدى العالم اليوم كم هائل من المعلومات، وهذا التضخم في المعلومات والتقنية جعل الاختلاف كبيرا على معرفة الخطأ والصواب. وعندما ننطلق لعالم أوسع وننفتح على ثقافات متعددة فستزيد مساحة الاختلاف، ولن نستطيع اختزال تلك المساحة إلا من خلال عقلية تتقبل الآراء وشخصية تؤمن بالاختلاف. علينا أن نتخلص من الصفات التي نطلقها على كل مخالف، وفي المقابل علينا أن نسأل أنفسنا لم يصفونا بصفات نعلم يقينا أنها ليست فينا. إن جميع البشر في مراحل عديدة من حياتهم يواجهون مشكلة في فهم الأشياء الغريبة وإدراكها، ويفتقرون إلى التعامل الصحيح معها بسبب رفض العقل لها. ولهذا نحتاج إلى أن نكون أكثر وضوحا في الحديث عن الأمور التي تنقصنا، وأن نتقبل الاختلاف والرأي المضاد. وإلى أن يحين الوقت لوجود مجتمع مثالي فسيظل القبول بكل الاختلافات أمرا صعبا وسيستمر الاستغلال لهذه الخلافات في توسيع الفجوة بين الحضارات.

&