&خالد أحمد الطراح

&

ليس سرّاً ما قدّمه البنك الدولي من دراسة علمية عميقة، شملت كل مرافق ومفاصل الدولة التي تدار من الحكومة الكويتية من المهد إلى اللحد، خصوصاً الدراسة «مجلد» التي قدّمها البنك بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، حيث تم تحديد التوصيات بناء على معطيات وبيانات تم توفيرها من الحكومة الكويتية، وتحديداً وزارة المالية.


بعض التوصيات، وهي محدودة العدد، تم اعتمادها من وزارة المالية، خاصة المتعلّقة بحصص الدولة في الشركات التابعة للهيئة العامة للاستثمار، بهدف تصحيح مسار الاستثمار وتنويعه بشكل بعيد عن مفهوم الهيمنة الكاملة للحكومة على قطاعات الاستثمار والخدمات العامة ومعالجة بالتالي تضخم العبء المالي الحكومي، لانطلاق حملة غرس مفاهيم تحد من نزيف الهدر في الإنفاق الحكومي، ومن ثم إطلاق حملة إعلامية بهدف خلق شراكة شعبية في إصلاح مالي واقتصادي واقعي المضمون والأهداف.


ركّزت دراسة البنك الدولي على وضع الكويت بعد التحرير وإعادة بناء الدولة بعد مخطط دمار شامل لثروات البلد، فضلاً عن استثمار الدور الشعبي الإيجابي إبان محنة الغزو العراقي في إدارة قطاع الخدمات بشتى أشكاله ومستوياته، حيث اعتبر البنك الدولي وليس حكومة الكويت أنها «الفرصة الذهبية» في إعادة بناءِ الدولة، بناءً على واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي جديد، من أجل حاضر الكويت في مطلع التسعينات والوضع الحالي أيضاً والمستقبل، أي مستقبل الدولة والأجيال القادمة، خصوصاً في ظل تنبؤات كويتية وأجنبية برزت قبل الغزو وبعده، بأن النفط مصدر ناضب، ولا بد من تنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق الحكومي، وبمعنى أدق وقف نزيف الهدر في الإنفاق الحكومي في خطوة وقائية، تفادياً لوقوع «الرؤوس تحت الموس»، كما صرّح به وزير المالية السابق قبل سنوات قليلة في مجلس الأمة، تزامناً مع ما سمي حينها وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي التي خير من وصفها بأنها «ولدت ميتة» العم الفاضل علي الغانم رئيس غرفة وتجارة وصناعة الكويت.


تلقفت الحكومة في التسعينات دراسة البنك الدولي، وأُنشئت اللجنة العليا لتصحيح وتنمية المسار الاقتصادي التي قامت بدورها بتقديم تصوراتها بالتنسيق والتعاون مع البنك الدولي، ولكن معظم الدراسات، على ما يبدو، تم قبرها في مخازن حكومية، وهي عادة كويتية رسمية!
اليوم ونحن في مطلع عام 2019، قررت وزارة المالية إعادة تكليف البنك الدولي من جديد «لبحث الهدر في الإنفاق الحكومي»، كما ورد في الخبر المنشور (القبس 3 فبراير 2019)!
ربما بسبب انتقال مخازن وزارة المالية إلى مكان مجهول لم يستدل عليه، ارتأت وزارة المالية تكليف البنك الدولي بتقديم دراسته بحلة جديدة تنسجم مع أطياف سماء 2019.
اجترار القرارات نفسها أصبح وجهاً جديداً لسياسة شراء الوقت حتى تخرج الحكومة من مأزق تقديم رؤية إصلاحية حقيقية بحجة انتظار توصيات دراسة دولية!

&