& حمد الكعبي

لا يقتصر التسامح على البعد الديني، وإن كان ضرورة إنسانية، تقتضيها المصلحة. فالمفهوم يتجلى في أبعاد مختلفة، ويتصل بسلسلة من القيم والمعاني، الوثيقة الصلة بحياة الشعوب، وثقافاتهم، وكذلك ميولهم الطبيعية في مواجهة أي تهديد يمس أعراقهم وعقائدهم وهوياتهم وأمكنتهم.
ثمة جدل قديم جديد في هذا الشأن. وللبشر نزعات دفاعية، تشرح غالباً أسباباً كثيرة للصراعات والحروب، ويمكن رصد ذلك في الصدامات المؤرخة، ذات الجذور الدينية أو المذهبية أو القومية، ثم إن هناك التباساً شائعاً في فهم التسامح، فهل هو قبول القوي للضعيف.. هل ينطوي على فوقية من ثقافة تجاه أخرى، أم أنه قيمة تشترط العدالة والمساواة بين الناس، على قاعدة الحقوق التي تصون الاختلاف؟.


هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عنها وعي نقدي في النموذج الإماراتي للتسامح، بما هو مشروع تنويري، لن يتوقف في نهاية هذا العام، لأنّ قيادتنا رسمت له مساراً واضحاً، واختارته عنواناً لـ «الأخوة الإنسانية»، تندرج تحته مضامين وسياسات ومبادرات، في إطار عمل مؤسسي مستدام، ترعاه وزارة التسامح، ويتصل بخطط وبرامج التعليم والتشريع والإعلام والثقافة، لأجل تجذير احترام التنوع في المجتمع، مثلما تضرب جذور أشجار الغاف عميقاً في أرضنا، وتتعايش مع ظروف المناخ، فتكون جديرة بأن تكون رمزاً للتسامح، ومثالاً واقعياً على رسوخه في بلادنا.
سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، دعا على صفحته في «تويتر»، إلى المشاركة في استفتاء نشره الموقع الإلكتروني لعام التسامح، يحث المجتمع على اختيار أربع كلمات تعبر عن التسامح من قائمة تضم عشر مفردات: التعايش، التآلف، السلام، التواصل، التعاون، إلى جانب الانفتاح، العطاء، الاحترام، الإنسانية، والتفاهم، سعياً إلى معرفة ميول الرأي العام في الإمارات، وخارجها، ولتوضيح الدلالات الذهنية لهذه القيمة، وإزالة أي التباس ممكن عنها وحولها.


تعزيز هذه القيم والمعاني والمثل الأخلاقية في الثقافة المجتمعية، يؤدي إلى فهم متعدد المستويات للمفهوم العام. فنحن متسامحون، ليس فقط حينما نحترم أديان الآخرين، ومعتقداتهم، وعباداتهم، إنما حين ننفتح على ثقافاتهم دون تعصب، ونرى في أزيائهم التراثية وعاداتهم الاجتماعية ولهجاتهم وأنماط حياتهم اليومية، تنوعاً مطلوباً وضرورياً، يجعلنا أكثر إنسانية وقوة.
وإذا كنا في حاجة لتبيّن معاني التسامح، كما هو حياة، فمن المهم أيضاً أن نتعرف إلى آراء الناس، تجاه ما يتناقض معه، كالتعصب، والتطرف، والكراهية، ورفض المختلف، سعياً إلى تحصين العقول من مخاطر الجهل والانغلاق..

&

&

&