&مصطفى زين&&

يسأل برينتون تارانت، منفذ مجزرة نيوزيلندا نفسه في بيان جريمته: «هل أنت من مؤيدي دونالد ترامب»؟ ويجيب: «بالتأكيد فهو رمز لتجديد الهوية البيضاء وهدفنا مشترك»، ويضيف: «عندما كنت صغيراً كنت شيوعياً، ثم فوضويًا وأخيراً ليبيرالياً، قبل أن أصبح فاشياً». ويتابع: «قرأت كتابات ديلان روف والكثير من الكتب الأخرى، لكنني استلهمت حقاً من نايت جوستيسار بريفيك».


وامتدح عدد كبير من مستخدمي الإنترنت بيانه، مع تعليقاتٍ مثل: «بالتوفيق... الفيديو رائع للغاية».

الجرائم العنصرية الإرهابية في الغرب لا يرتكبها ذئب منفرد أو ضال. إنها نتاج ثقافة متجذرة عبر التاريخ. ثقافة اشترك في نشرها اليمين المتطرف والمعتدل واليسار. يكفي أن تستعيد بعض حقب التاريخ الاستعماري لأوروبا وأميركا كي تتأكد من ذلك. الاستعمار في أدبياته وبالتعريف هو الحط من ثقافة الآخر المختلف المتخلف. على هذا الأساس كانت الغزوات البريطانية والفرنسية أيام الإمبراطوريتين. الطرفان شاركا في إبادة الهنود الحمر وملايين الأفارقة والآسيويين بوحشية تصفها كتب التاريخ بتفصيلها، والحجة واضحة: الشعوب المتخلفة لا حضارة لديها. عليها أن تتعلم كيف تنشئ الدول. وإنشاء الدول ترافقه سرقة ثروة هذه الشعوب وإغراقها بالديون وإخضاعها واستتباعها بالقوة. فلنتذكر ما فعله البريطانيون في الهند والصين، في جنوب إفريقيا وما كان يسمى روديسيا (يكفي اسم إيان سميث للتذكر)، وما فعله البلجيكيون أيضاً. والهولنديون في إندونيسيا، وهما دولتان صغيرتان في الحجم وفي التاريخ والجغرافيا والحضارة.

الفاشية والنازية والصهيونية كلها ثقافة غربية قائمة على أساس تفوق العرق الأبيض. ثقافة أنتجت جماعات وأحزاباً ما زال بعضها فاعلاً في القارة القديمة وفي الولايات المتحدة حتى اليوم، ويطلق على هذه الجماعات اسم اليمين المتطرف، لكن لا اليمين يعترف ويعتذر عن جرائم الماضي والحاضر، ولا اليسار يعتذر. بريطانيا حتى اليوم لا تعترف بجريمة العصر التي ارتكبتها في حق الفلسطينيين، بل ما زالت تدافع عما ارتكبته وتستقبل نتنياهو بالترحاب وتتهرب من محاكمة جنرالات إسرائيليين متهمين بجرائم حرب. وتحتفل بذكرى وعد بلفور. الرئيس ماكرون هدد بمحاكمة كل من يساوي بين الصهيونية والعنصرية.

هذه الثقافة أنتجت شعار جورج بوش الابن: إما معنا أو ضدنا. وأنتجت فكرة البحث عن عدو بعدما سقط الاتحاد السوفياتي، و«صدام الحضارات» (هانتيغتون) وفلسفة «نهاية التاريخ» ( فوكوياما) وكان المسلمون هم العدو البديل، فدبر «احتواء» بعض دولهم وتدمير أخرى واستتباع غيرها بالتهديد والحرب «الناعمة».

إنها الثقافة التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ليس ذئباً منفرداً، بل انتخبته الجماهير التي تعشش وسطها كل الأفكار العنصرية والعنجهية التي تميز الأميركي عن غيره. إنها الثقافة التي أفرزت «بلاك ووتر» وما فعله المرتزقة في العراق. وهي الثقافة التي أوصلت أوربان إلى سدة المسؤولية في هنغاريا. وبفضلها أصبح مستشار الرئيس الأميركي السابق ستيف بانون رسولها إلى أوروبا لتفكيك اتحادها وزرع المزيد من العنصرية في بلدانها. وهي ثقافة «كلو كلوكس كلان» والصهيونية المسيحية في المدن الأميركية.