&مساعد العصيمي

&قد يحتاج بعض منّا إلى تعلم معنى ثقافة الاعتذار من أمير الرياض، وهو يقف أمام طلبة جامعة الملك سعود ليعتذر لطالب لا يعرفه ولم يشاهده من قبل وحتى قد لا يكون موجوداً في القاعة التي يتحدث فيها الأمير، وكل ما بينهما أن الطالب قد غرد بعدم إمكانية حضوره الملتقى بسبب أن المنظمين منعوا دخول سيارته إلى المواقف المخصصة لهم.. لم ينقص الاعتذار قدر الأمير.. بل زاده، والأهم أنه أعطى للطالب وزملائه جميعاً القيمة المعنوية التي يستحقونها وهو يدافع عن حقوقهم.

الاعتذار ثقافة راقية، لا يؤمن بها ولا يفعلها إلا الراقون بفكرهم وتصرفهم، وهو تعبير عن التسامح والعمل على كل ما هو صحيح في حق الآخرين، والاعتذار شيمة لا تليق إلا بالكبار سواء فعلها أمير أو وزير وحتى عامل أو تلميذ، أشدد على ذلك في مجتمعنا خاصة في ظل نفخة الكبرياء الفارغ التي نعيش في أجوائها في الطرقات حين تعاملنا مع الآخرين وفي أعمالنا مع المراجعين.. ثقافة تأسست حينما أصبحنا نأمر ولا نؤمر، نطالب ولا نقوم بما يجب علينا.

أصبحنا نعيش في إطار التشبث بالرأي ولا مجال للاعتذار، التراجع غير مسموح سواء من قام به كان فقيهاً أو منظراً ليبرالياً أو كروياً ثرثاراً.. وبكل أسف لم ننمِ هذه الثقافة بل زاد لدينا من يدافع عن مرتكبي الإسقاطات بحقها "أي ثقافة الاعتذار" فإن كان من أصحاب الصيت فخلفه جيش عبر مواقع التواصل يؤيدونه ويهينون من أخطأ بحقه، أما أمير الرياض فيصل بن بندر فاعتذر لطالب لا يعرفه ولو لم يذكره لما عرف أحد بما حدث؟!.

هذه الثقافة العظيمة موجودة في مجتمعنا وما نطالب به تمسكنا بها أكثر، وحينما نستعيد ذكرها فلأنها رقي نتمنى تعميمه وانتشاره بشكل أكبر؛ لأن السائد لدى كل مسؤول أو صاحب عمل أن ما قام به صحيح، وعلى الآخرين أن يتقبلوا ذلك، وحينما يقدم المسؤول الكبير على فعل هذه القيمة الأخلاقية فهي رسالة إلى كل مسؤول لنبذ التشبث بالرأي والموقف، حتى لو ثبت عكسه، فالاعتراف بالخطأ والتراجع والاعتذار سمة المميزين، نؤكد على ذلك؛ لأننا ننهل من شريعة سمحة عنوانها التحاب وتدعو للتسامح، والتنازل، والتراجع عن الخطأ، وتحث على كل الصفات الجميلة التي تجعل من الإنسان راقياً لا مكابراً.

الأهم في القول: إننا نحتاج لترسيخ هذا السلوك العظيم والرائع في مجتمعنا؟!.. كثقافة تستحق حتى أن نعيد صياغة مناهجنا لأجلها، لتكون من ضمن المبادئ الأساسية حين تعليم الأطفال السلوك؛ لأن الاعتراف بالخطأ والاعتذار نبل ورقي.. وكسب احترام على احترام.. من الجدير تثبيت هذه الثقافة وغرسها في مجتمعنا وبين أبنائنا وبناتنا إذا كنّا نريد رقياً وتقدماً لوطننا ومجتمعنا.. فهل يتسنى لنا جعلها من الأساسيات في تعليمنا وتعاملنا؟