& هالة مصطفى

&

أعاد حادث نيوزيلندا الإرهابى الذى استهدف فيه مواطن أسترالى مسجدين بمدينة كرايستشيرش، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المصلين, أزمة المسلمين فى الغرب إلى الواجهة مرة أخرى, فهو عنوان لكراهية متزايدة باتت تجتاح كثيرا من المجتمعات الأوروبية ضد المهاجرين واللاجئين من أصول إسلامية حتى وإن تجنسوا بجنسيات الدول التى هاجروا إليها, إذ يظل اختلاف العقيدة عائقا رئيسيا يحول دون التعايش السلمى بين متبعى الديانات المختلفة, هذه حقيقة لم يعد هناك مجال لإخفائها أو التغاضى عن وجودها, وتكفى الإشارة فى هذا السياق إلى مضمون العبارات التى كُتبت على أسلحة منفذ العملية التى استدعت من ذاكرة التاريخ ـ قديمه وحديثه ـ كل ما يؤجج مشاعر البغض وعدم التصالح بين العالمين الغربى والإسلامى، إلى درجة العودة إلى زمن الحروب الصليبية وتوسع الامبراطورية العثمانية فى أوروبا حتى هزيمتها هناك, وكأنها إحياء لماض كان يظنه الكثيرون قد انقضى وطويت صفحته, والسؤال هنا: هل يمكن اعتباره مجرد حادث فردى عابر أو استثنائى, أم أن القضية أعقد من ذلك وقد تتجاوزه وتُنذر بما هو أسوأ؟ عندما وضع عالم السياسة الأمريكى صمويل هنتنجتون نظريته الشهيرة حول صدام الحضارات قبل أكثر من ثلاثة عقود، وتنبأ فيها بأن الصراع العالمى القادم فى عالم ما بعد الحرب الباردة التى تميزت بالصراع الأيديولوجى بين الرأسمالية والشيوعية, سيكون صراعا بين الحضارة الغربية التى تمثلها أوروبا والولايات المتحدة من ناحية، وباقى الحضارات من ناحية أخرى, وأن أخطرها سيكون بينها وبين الحضارة أو الثقافة الإسلامية, أى صراع بين البشر وليس الدول حول الهوية, قوبلت فرضيته بهجوم شديد فى حينها, وأثارت ـ ولاتزال ـ جدلا كبيرا فى الأوساط الثقافية, ولكنها الآن تعيد فرض نفسها من جديد. من المهم التوقف عند بعض المحطات الرئيسية التى أوصلت الأمور إلى المشهد الراهن, وأولاها انتشار موجات الإرهاب العابر للحدود المسئولة عنها مجموعات وتنظيمات العنف والتكفير الإسلامى التى وصلت إلى قلب أوروبا وأمريكا, وراح ضحيتها المئات من المدنيين, وهو ما رسخ صورة ذهنية نمطية معادية للمسلمين لدى الرأى العام الغربى, لم تفلح فى محوها كل المحاولات التى بُذلت من أجل تصدير خطاب إسلامى متسامح, ولا الجولات التى عُقدت باسم حوار الأديان, وثانيتها تتعلق بمعدلات اللجوء والهجرة الكثيفة من المسلمين إلى مختلف الدول الغربية, والتى ازدادت بشكل غير مسبوق فى السنوات الأخيرة, خاصة بعد ثورات الربيع العربى، واندلاع الحروب الأهلية والنزاعات العنيفة فى بلدانهم الأصلية, وقد وجد بعض هؤلاء صعوبة فى الاندماج مع المجتمعات التى هاجروا إليها, وأصبحوا يعيشون فى شبه عزلة واغتراب ثقافى, مثلهم مثل الجيلين الثانى والثالث للمهاجرين الأوائل, بل منهم من التحق بالتنظيمات المتطرفة مثل داعش, وهو ما يفسر تزايد نسبة عضوية الأوروبيين به, فهم فى الأصل من أصول مهاجرة أو من المتجنسين الجدد, وثالثتها, ما تشهده المجتمعات الغربية من صعود متنامٍ للتيارات اليمينية المتطرفة والتى تتبنى أفكارا عنصرية ضد الأقليات الدينية والعرقية عموما انتصارا للعرق الأبيض, وقد وجدت فى كراهية المهاجرين ـ خاصة من المسلمين الذين يشكلون, لدى أصحاب هذه التيارات, الخطر الأكبر على هوية مجتمعاتهم وينعتونهم بـ«الغزاة» أرضا خصبة للحصول على تأييد شعبى يتسع يوما بعد يوم, لذا فقد حققوا نجاحات متتالية على مستوى الانتخابات البرلمانية والتمثيل الحكومى والحزبى, وباتوا جزءا من دوائر صناعة القرار.

&لكن ولكى تكتمل الصورة, لابد من تأكيد أن أزمة المسلمين فى الغرب لا تقف عند حدود التيار اليمينى, حتى إن كان هو الأعلى صوتا, ويتخذ طابعا عنيفا وفجَّا فى التعبير عن موقفه, فالخوف من المسلمين والمهاجرين بات هاجسا لدى معظم الحكومات الغربية, لذا كان أول ما تحدث عنه الرئيس الأمريكى ترامب فى خطاب تنصيبه هو «الإرهاب الإسلامى» مثلما كان أول قرار رئاسى يصدره بعد توليه السلطة يختص بحظر دخول مواطنى 7 دول من ذات الأغلبية المسلمة إلى بلاده, كذلك صرح الرئيس الفرنسى السابق أولاند على خلفية سلسلة العمليات الإرهابية التى شهدتها فرنسا بأن المسلمين يشكلون خطرا على نظام الجمهورية العلمانى وأخضع المساجد هناك لمراقبة مشددة باعتبارها مراكز لنشر الفكر المتطرف، إضافة إلى فرضه قيوداً شديدة على المهاجرين وطالبى اللجوء منهم, ولم يختلف الأمر مع الرئيس الحالى ماكرون الذى أنشأ وزارة تحت مسمى «التنمية المستديمة والاندماج» لتنظيم وضع المهاجرين المسلمين, تأكيدا على وجود مشكلة جوهرية فى التعامل معهم.

إذن علينا الاعتراف دون الوقوع فى خطر التعميم, بأن هناك مشكلة حقيقية فى علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين والعكس صحيح أيضا, وأن معالجتها هى مسئولية مشتركة من الطرفين, المهم فى النهاية ألا تزيد مساحة التطرف على الجانبين وإلا فسنكون إزاء صدام حتمى.