وسط أجواء مشحونة برفض أمريكي وأوروبي، بدأ الرئيس الصيني شي جين بينج، أمس جولة أوروبية منطلقها إيطاليا، أول بلد في مجموعة السبع الصناعية الكبرى يعتزم الانضمام إلى المشروع الصيني "طريق الحرير الجديدة".
وبحسب "الفرنسية"، استقبل الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا أمس نظيره الصيني في قصر كويرينالي مقر الرئاسة الإيطالية، فيما بسطت المدينة السجادة الحمراء لهذه الزيارة، التي تتوقع فيها السلطات الإيطالية إحياء المبادلات الاقتصادية بين البلدين.
وأشاد الرئيس الصيني بشراكة بلاده "التي لا يشوبها أي خلاف" مع إيطاليا، مضيفا أنه "لا يوجد بيننا تضارب في المصالح".


من جانبه، أوضح الرئيس الإيطالي أن "المساهمة الإيطالية في طريق الحرير الجديد أساسية"، لكنه شدد على ضرورة حصول المبادلات "في الاتجاهين" وبروح "المنافسة العادلة، واحترام الملكية الفكرية والتصدي للتزوير".
وطمأن الرئيس شي مضيفه بالقول إن "الجانب الصيني يريد مبادلات تجارية في الاتجاهين وتدفق الاستثمارات في الاتجاهين"، كما جاء في ترجمة إلى اللغة الإيطالية.
وأضاف ماتاريلا، إن "إيطاليا لا ترى الصين فقط كشريك تجاري بالغ الأهمية، ولكن تراها أيضا محركا للتجارة الدولية"، مشيرا إلى أن بلاده لديها الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة والحلول في مختلف القطاعات، مثل الطاقة وحماية البيئة، والحضرنة المستدامة، وتصنيع المعدات، والأمن الغذائي، والخدمات الصحية، ورعاية المسنين.


وأشار ماتاريلا إلى أنه يتعين على البلدين "تفضيل الدخول إلى أسواق بعضهم بعضا مع حماية الاستثمارات وحقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى احترام المبادئ والمعايير المهمة للاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية".
وعلى صعيد التبادلات الشعبية في إطار مبادرة الحزام والطريق، قال الرئيس الإيطالي إن بلاده لن تشارك فقط في بناء طريق الحرير الجديد، ولكنها تأمل أيضا في جعل المبادرة طريقا لتفاهم أفضل. ويهدف مشروع "طرق الحرير الجديدة"، إلى تعزيز الترابط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا ويقضي بتمويل بنى تحتية برية وبحرية تضم طرقات وسكك حديد وموانئ، تزيد كلفتها الإجمالية على ألف مليار دولار.
وتثير هذه الخطة، التي باشرتها الصين في 2013 انقساما في القارة العجوز، مع انضمام بعض البلدان مثل اليونان وعدد من دول أوروبا الشرقية إليها.
ومن المقرر أن يوقع جوزيبي كونتي رئيس الوزراء الإيطالي مذكرة تفاهم اليوم مع الرئيس الصيني، الذي وصل مساء الخميس للعاصمة الإيطالية، لإتمام انضمام إيطاليا- أول بلد في مجموعة السبع- إلى هذا المشروع العملاق للبنى التحتية البحرية والبرية.
وقال كونتي إن "الاتفاق مع الصين سيكون "اقتصاديا وتجاريا" تماما، وليست له أي تداعيات على السياسة الخارجية"، مضيفا في مقابلة مع صحيفة "كوريا ديلا سيرا" الإيطالية، أن المطروح على الطاولة هو مذكرة تفاهم، وليس اتفاقية دولية ملزمة، وهي تضع "إطارا للأهداف والمبادئ وأنماط التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق".
وفي مواجهة مخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من التقارب الإيطالي- الصيني، حذر ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء الإيطالي، زعيم حزب الرابطة (يمين متطرف) من أن بلاده لن تكون "مستوطنة لأحد".
وأبدى سالفيني حذرا شديدا حول إمكانية مشاركة شركة هواوي الصينية العملاقة في إطلاق تقنية جي5 للهواتف المحمولة في إيطاليا.
وحاول شريكه في الائتلاف الحكومي، لويدجي دي مايو، زعيم حركة الخمس نجوم المؤيدة للاتفاق تهدئة مخاوفه من خلال ضمان إنشاء سلطة مراقبة لمنع أي تجسس محتمل من جانب الصينيين.
وتتخوف من هذا الاحتمال الولايات المتحدة، التي سبق أن تحدثت عن الضرر، الذي تراه في هذه المبادرة للحكومة الإيطالية.


وكتب جاريت ماركيز، المسؤول في البيت الأبيض الأسبوع الماضي على تويتر أن روما "لا تحتاج للانضمام إلى مشروع طريق الحرير الجديدة". وقال لويدجي دي مايو، قبل أن يشارك في منتدى اقتصادي إيطالي- صيني في روما، "على غرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، نقول اليوم إيطاليا أولا في العلاقات التجارية، باعتبار أننا باقون حلفاء للولايات المتحدة، وباقون في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي".
وتجازف روما بأن تصبح "نوعا من حصان طروادة الصيني في أوروبا"، وفقا لوصف مارياستيلا جيلميني، المسؤولة في "فورتسا إيطاليا"، وهو حزب رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، المعارض في الوقت الراهن.
ولا تخفي إيطاليا التي تعد ديونها ثاني أكبر الديون في منطقة اليورو، التي يعاني اقتصادها من الركود، رغبتها في التعامل مع الصين.
ويرافق وفد كبير من رجال الأعمال الصينيين الرئيس شي، حيث من المتوقع توقيع 15 اتفاقية تعاون.


وتأتي زيارة الرئيس الصيني إلى أوروبا بعد عشرة أيام من نشر الاتحاد الأوروبي خطة من عشر نقاط أشارت إلى أن الصين "منافس" بقدر ما هي شريك تجاري.
ووضع قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ 28، في بروكسل أسس جبهة أوروبية مشتركة ضد بكين، تريدها باريس وبرلين، قبل قمة الاتحاد الأوروبي والصين في 9 نيسان (أبريل) في العاصمة البلجيكية.
وبعد إيطاليا، سيسافر شي إلى موناكو وفرنسا، حيث سيعقد اجتماعا غير مسبوق الثلاثاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. وتقول الرئاسة الفرنسية إن الهدف هو "إيجاد نقاط تقارب بين أوروبا والصين"، حول مواضيع مثل التعددية أو تنفيذ اتفاق باريس بشأن المناخ. وفي إيطاليا، تهتم بكين بالاستثمار في الموانئ، بما في ذلك ميناء تريستي على البحر الأدرياتيكي، لتعزيز صادراتها إلى أوروبا.
ويعتقد المؤيدون لاتفاق مع الصين أنه سيقود بكين إلى أن تبدي مزيدا من الاحترام للمعايير الأوروبية على صعيد البيئة أو قانون العمل.


لكن ماركو ترونشيتي، المدير الإيطالي لشركة "بيريللي" لصناعة الإطارات، التي تمتلك إحدى المجموعة الصينية 45 في المائة من رأسمالها، يقر بضرورة وضع اتفاقات "متوازنة"، وأضاف لصحيفة كورييرا دي لا سيرا: "نحتاج إلى إرساء قواعد اللعبة، لكن مصالحنا متقاربة ولا يمكننا تحمل خسارة هذه الفرصة".

&