& محمد حسن الحربي

المرة الأولى التي سمعت فيها مصطلح (لحظة الخليج) كانت قبل تسعة أعوام من الدكتور عبدالخالق عبدالله في ندوة نظمتها دائرة الثقافة والإعلام بعجمان، انتدى فيها نخبة سياسية كان أحدهم. ومنذ أيام وقع في يدي كتاب حديث الصدور2018 يحمل عنواناً مألوفاً بالنسبة لي هو (لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر). ففهمت أن الورقة المختصرة التي قدمت خلال تلك الندوة عام 2009، لم يتوقف كاتبها عن الاشتغال بها والحفر فيها حتى أصبحت كتاباً في نحو 250 صفحة، مدججاً بالمعلومات ومعززاً بالإحصائيات والجداول والرؤى السابرة لمستقبل المنطقة الخليجية. إنها رحلة مضنية لإنجاز تحقق على نحو يستحق الإشادة، ويشعر قارئه المهتم بمتعة كبيرة. إن فكرة الكتاب تقوم على إجابة عن سؤال مهم هو (كيف استطاعت ست دول خليجية أن تصبح مركز الثقل العربي الجديد؟). سؤال لعله من أهم الأسئلة التي يمكن طرحها راهناً وفي كل الأوقات.&
كثيرون على اختلاف مواقعهم يتطلعون بلهفة إلى سماع الإجابة عنه بتفصيل وإسهاب، حيث إن الإجابة هي عبارة عن قصة متمايزة عن قصص النجاح الكبرى في التاريخ البشري، وتجربة استثنائية في الزمن المعاصر، جديرة بوضعها تحت المجهر لدراستها وحض السياسيين العرب وغير العرب للإطلاع عليها، ولا نقول تمثّلها أو محاكاتها إذ لكلٍ خصوصيته المجتمعية وموارده وإمكاناته، لكن للاستفادة وربما إدراجها في المناهج الدراسية العليا لتطّلع عليها أجيالنا العربية القادمة.


الكتاب في مجمله جاء ليجيب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً، عن السؤال المذكور. ويبسط المعطيات والموجبات، على تعددها واختلاف طبيعتها، التي أهلّت دول الخليج الست في مطلع القرن الواحد والعشرين، لأن تقوم بانبثاقتها الثانية وتصبح على ما هي عليه من وضع لافت لجهة دورها الوازن على المسرح العالمي بعدما حققت فعلاً لا قولاً معايير أن تكون مركز الثقل العربي السياسي والاقتصادي، لتضطلع من ثم بدورها الكبير والمؤثر تجاه مجتمعاتها أولاً، وتجاه أمتها العربية ثانياً، ثم تجاه محيطها الإنساني العالمي، ليس فقط عبر قوتها الناعمة أو الإنسانية الضاربة، والتموضع في رأس قائمة التنافسية العالمية عبر مكافحة الفساد، والإمارات نموذجاً. إنما عبر اقتصاداتها الضخمة التي راكمتها العوائد النفطية على مدى أربعة قرون، وصناديقها السيادية، وشركاتها العابرة للقارات، وإدارتها الحديثة الحيوية، وسياساتها الحكيمة التي حرصت على تحقيق المصلحة الوطنية أينما كانت من دون صدام أو تفريط بالحقوق. وترتيباً على ذلك، فإن القرار السياسي العربي أصبح يُصنع في العواصم الخليجية بعد أن كان حكراً على القاهرة ودمشق وبغداد. ويضرب المؤلف مثالاً: إن السعودية والإمارات يمثلان أكبر اقتصادين خليجيين وعربيين إذ يبلغ ناتجهما الوطني أكثر من تريليون دولار، أي ما يزيد على 75 بالمئة من إجمالي الناتج الخليجي، و42 بالمئة من إجمالي الناتج العربي.&


ويجد المرء نفسه مع المؤلف د.عبدالخالق في البعد الذي يؤكد عليه وهو (إن الحديث عن بروز الخليج العربي كمركز الثقل العربي الجديد، لا يمنح الجزء الخليجي، مهما برز دوره وعلا شأنه وزاد حضوره وانتشر نفوذه، لا يعطيه أي إحساس بالأفضلية والتميز (..) فعلى الرغم من إحباطات الواقع العربي، سيظل الجزء الخليجي فخوراً بأمته العربية/الكُل، ومعتزاً بعمقه الثقافي والحضاري العروبي).

&

&