& سالم سالمين النعيمي

يمرّ العالم بفترة عصيبة فيما يخصّ انتشار خطاب الكراهية، وتسجّل معدلات جرائم الكراهية النسبة الأعلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتمثّل الجرائم ضد المسلمين بالتحديد في أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا النسبة الأكبر لتلك الجرائم وفق آخر الإحصائيات الصادرة عن الجهات الأمنية والحقوقية في تلك المناطق.


وما حدث في نيوزيلندا مؤخراً ُيعتبر مؤشراً خطيراً للغاية لما هو قادم في ظل صعود تيار اليمين المتطرّف في كل قارات العالم، وفي كل الديانات السماوية وغير السماوية، ناهيك عن جنوح العديد من الخطب والتصريحات والتغريدات السياسية عن الدبلوماسية المتوازنة، ويقود هذه الظاهرة رؤساء دول على غرار الرئيس الأميركي، والذي وصلت في عهده جرائم الكراهية لأعلى نسبة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتحوّل التحريض على الكراهية كأحد أهم الأسباب المؤدية للإرهاب و«الفوبيا» المؤدية للعنف ضد الأقليات ومن يصنف بأنه ليس جزءاً من المجموعة أو من لا يتجانس معها ويختلف عنها في مظهره المادي الخارجي أو الفكري والوجداني الداخلي.


وقد ساهم بعض رجال الدين والسياسة والمال والفكر والرياضة والفن والإعلام، والعلماء البارزين والعناصر المؤثرة في المجتمعات في جعل رسائل الكراهية ضمن أطر شعبوية تعبوية تساهم بشكل رئيسي في تأجيج المجتمع. وأما في عالمنا العربي الإسلامي، فالإنسان العادي في المجتمع اعتاد منذ طفولته على سماع الخطاب الانتقائي العنصري التاريخي والمتأصّل في عقله، بالإضافة إلى ممارسات المجتمعات الشرقية التي نشأ فيها، والتي تؤكد له اعتيادية الأفكار وفق الموقع والجنس واللون والدين والثقافة، وهي حقيقة لا تقبل جدالاً ولا ُنكراناً، أو نفي ما لخطاب الكراهية من جذور تاريخية متأصّلة لدينا والأدوار التي تلعبها الأعراف والمفاهيم والمبادئ والثوابت المكتوبة وغير المكتوبة في تشكيل القناعات والوعي الشرقي.&
وتعرّف جريمة الكراهية بأنها الإهانة أو الاعتداء الذي تتعرّض له الضحية بسبب العرق أو الدين أو التوجه الجنسي أو الإعاقة الجسدية أو الهوية، بشتى الوسائل التقليدية والمعاصرة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي سواء بنشر مقاطع مسجّلة صوتية أو مرئية، أو من خلال خطابات أو كتابات مسيئة تعبّر عن التحيّز ضد مجموعة معينة، بسبب خلفية الوضع الجغرافي والديني والأيديولوجي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والثقافي، حيث يغطي خطاب الكراهية العديد من أشكال التعبيرات التي تنشر أو تحرّض أو تعزّز أو تبرّر، أو تكرّس النظرة الدونية والتعالي والتمييز ضد شخص أو مجموعة وعدم التسامح وقبول الآخر لأسباب إقصائية يتم عقلنتها بصورة تدريجية عبر الأجيال.


وهناك خيط رفيع تنتهي به حرية التعبير ويبدأ به خطاب الكراهية، كأن يتم التعليق على صورة لزوجين مختلفين في المظهر على أنها عملية لتحسين النسل، والمجتمعات الرجعية قد تعتبر تلك الدعابة عادية مع أنها مثال بسيط على خطاب الكراهية غير المباشر، أو تسمع ُنكات تشير إلى أن الاختلاف نوع من الإعاقة أو نقص، ومن جهة أخرى عندما يحرّض خطاب الكراهية علنًا على الاستهانة والتقليل في حق الأشخاص في حرية الفكر، أو العنف ضدهم، فيجب هنا استخدام العقوبات التأديبية كتدبير وقائي حازم، ولذلك فاتخاذ إجراءات فعّالة ضد استخدام خطاب الكراهية يتطلّب إدراك الجمهور حقيقة وهم التفوق العرقي والديني والفكري والمجتمعي..الخ والإيمان بأهمية احترام التعددية والأخطار التي تشكلها التصورات الذهنية السلبية والأحكام الغير موضوعية المتوارثة.


وفي كل الأحوال لا يمكن أن نحارب خطاب الكراهية بالكراهية، ولا بدّ من سنّ قانون مكافحة خطاب الكراهية الذي يتناول العرق أو الأصل القومي أو الانتماء الديني والمذهبي، أو الهوية، أو الإعاقة أو الأمراض الخطيرة أوالتاريخ الجنائي وغيرها من الأمور التي تجعل المجتمع متنوعاً.
فنحن كمجتمع ملزمون بإزالة خطاب الكراهية ومراجعة موروثنا ككل، وألا نقبل ممارسات وتصريحات وتلميحات تحطّ من قدر الناس وثقافتهم أو إنسانيتهم وأن نتجاوز عنها، وأن نسعى كدول لإعلان موقف واضح وصريح من خطاب الكراهية في العالم ومن مجموعات الكراهية وأفكارها وممارساتها، فالكراهية قد ُتبث حتى من خلال البحث العلمي والمعرفة والكتب، ومن هذا المنطلق فلا بدّ من بناء أسس ثقافة البعد عن التعصّب، وأن لا تكون البلطجة الفكرية والمادية وحرية الرأي وسيلة للتسلّط، حيث إن الأمر برمته يتعلّق باحترام كرامة الروح والحفاظ على موقف عقلاني وموضوعي تجاه المساواة وعدم الازدراء أو تقزيم الآخر والشعور بالأفضلية والتفوق عليه لكونه لا يشبهنا أو لا يقاسمنا نفس المعتقد والأفكار والعادات والقيم، وذلك ليس تواضعاً منا، وإنما كسلوك طبيعي يفرق بين «الحيوان العاقل» والإنسان.

&

&