& عساف بن سالم أبو ثنين

&القفزة الريادية التي حققها الإعلام السعودي كان رافدها وصانعها الملك سلمان بن عبد العزيز، فالعلاقة بين الملك سلمان والإعلام هي جزءٌ من علاقة وثيقة أشمل وأعمق تربطه بالقراءة التي شُغف بها منذ وقت مبكر من عمره، إذ تعود بداياتها إلى مرحلة تواصله المستمر - آنذاك - مع مستشاري والده الملك عبد العزيز (رحمه الله) في الديوان الملكي لقراءة الصحف والمجلات العربية التي كانت ترد لمسؤوليه كإحدى مصادر المعرفة السياسية ورصد الأحداث في المحيطين العربي والدولي. كان لافتاً أن متابعته لها لم تكن لمجرد الاطلاع والتسلية، وإنما للغوص في مضامينها، واستنباط رسائلها بتشعباتها المختلفة، ويصاحب ذلك تحليل دقيق لأبعادها، وكذا استشراف عميق لآثارها المحتملة. وهذه السمة هي التي جعلته يدرك بشكل فطري تفاصيل مهمة في صناعة الإعلام، ويفطن للمقومات المهنية التي تضمن نجاحه. ونتيجة لاهتمامه وشغفه بهذا الجانب أصبحت قراءته للصحف السعودية ونشرة وكالة الأنباء السعودية، جزءاً رئيسياً في برنامجه الصباحي سواء داخل المملكة أو خارجها.


وبقدر ما كان الملك سلمان حريصاً على متابعة الإعلام الداخلي، فقد كان الإعلام الخارجي هو الآخر يحظى بأهمية خاصة لديه، حيث يطلع يومياً بشكل مفصل على أهم ما تنشره الصحف العربية من أخبار ومقالات عن المملكة تحديداً، وعن الأحداث العربية بشكل عام، ولعل هذا ما يفسر معرفته الواسعة بالإعلام العربي وصحافته، وبأبرز رموزها وكتابها الذين تربطه بكثير منهم صداقات واتصالات استمرت على مدى سنوات طوال. وكما عُرِف عن الملك سلمان بأنه صديق الصحافيين والكتاب المحليين فقد عرف عنه الأمر ذاته مع أقطاب الصحافة العربية، وكان من أبرزهم كامل مروة، وسليم اللوزي، وغسان تويني، وملحم كرم، وبسام فريحة، ووليد أبو الظهر، ونبيل خوري، وسليم نصار، وأحمد الجار الله، ومحمد جاسم الصقر، وعبد العزيز المساعيد، ومصطفى وعلي أمين، وأحمد بهاء الدين وغيرهم.
لقد نجح الملك سلمان في إظهار مواقف المملكة الإعلامية وتبيان صورتها الحقيقية من خلال دحض المغالطات والإشاعات، وعرض الحقائق وتبيانها، كما كان له دور كبير في دعم المطبوعات والمجلات التي كانت تصدر في لبنان وأوروبا، وذلك بهدف استمرارها مجلات وصحفاً لها تاريخها ومكانتها الإعلامية، وكثيراً ما تردد هؤلاء الصحافيون على زيارة السعودية وبقوا على تواصل مستمر معه.
ولم يقتصر اهتمام الملك سلمان منذ أن كان أميراً للرياض على الصحف العربية فقط، بل شمل الصحف العالمية كذلك، فقد كان مسانداً لأي صحافي أو كاتب أجنبي يزور المملكة، وغالباً ما يقترح عليه إضافة بعض الأماكن التي تثري برنامج زيارته خصوصاً المناطق التاريخية، ويوجه بتوفير مرافقين ومترجمين لمساعدته في أداء مهامه، وكثيراً ما كانت تنتهي زياراته بلقائه بالإمارة للإجابة عن استفساراته، وللتأكد من أن هذا الزائر توفر له كل مجالات بحثه.
وجد الصحافيون الأجانب في الملك سلمان، بما يمثله من ثقل سياسي ومعرفة عميقة بتاريخ المملكة، شخصية مثالية لا بد أن تكون في قائمة أولوياتهم للخروج بتغطية إعلامية قيمة عن السعودية.
ومن أمثلة اهتمامه بالإعلام الخارجي حينما كان أميراً للرياض، تسهيله قدوم المؤرخ الفرنسي آلان ديكو لزيارة المملكة وجمع المادة التلفزيونية لبرنامج بثه التلفزيون الفرنسي عن الملك عبد العزيز، وبثه أيضاً التلفزيون السعودي في عام 1986.
ولأن الملك سلمان يدرك تماماً أن إيصال رسالة المملكة لا يمكن أن تتم من خلال وسائل الإعلام فحسب، وأن وسائل الاتصال والتواصل الأخرى تعد أدوات مكملة لها، فلم يتوانَ عن ابتكار ما رأى جدواه، وأهميته، ولا أدل على ذلك من الدور الكبير الذي قام به في اقتراح وتفعيل ومتابعة معرض «المملكة بين الأمس واليوم» وكذلك معرض «الحرمين الشريفين»، اللذين أقيما في عدد من الدول الأوروبية وأميركا وكندا، وبعض الدول العربية، ولقيا نجاحاً كبيراً نقلا من خلال معروضاتهما والمشاركين فيهما الصورة الإعلامية المباشرة عن المملكة وآثارها وتاريخها وحضارتها، وكان لهما بشهادة الزوار تأثير إيجابي رائع، وشكلت التجربة بذلك نموذجاً قيماً يستحق التكرار.
استثمر الملك سلمان هذه الفعاليات لتوثيق علاقة المملكة بوسائل الإعلام العالمية بشكل فاعل، فحرص عندما كان مشرفاً ورئيساً للجنة المنظمة لمعرض «المملكة بين الأمس واليوم»، على دعوة الوفود الصحافية الأوروبية من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وأميركا وكندا لزيارة المملكة والاطلاع على الحقائق بشكل مباشر.


ليس هذا فحسب، بل كان يحرص على دعوة كل حاكم مدينة أقيم فيها المعرض لزيارة الرياض والاطلاع مباشرة على التطور الذي تعيشه السعودية، ولقي برنامج زياراتهم نجاحاً كبيراً تجلى في تغطياتهم وردود أفعالهم تجاهها، وكانت أبرز رسائل الملك سلمان في لقاءاته مع الصحافيين قوله: «إننا في السعودية لا نخشى الصحافي الذي يكتب عن السعودية، وهو قد زارها واطلع وعرف الحقائق عنها، لكن الذي نخشاه هو الذي يكتب وينتقد السعودية وهو لا يعرفها ولم تسبق له زيارتها»، وعُرف عنه في هذا الصدد عبارة شهيرة فحواها: «إن أبوابنا مفتوحة لكل باحث عن الحقيقة».
كان الملك سلمان أيضاً يستقبل رؤساء الصحف وأبرز الإعلاميين في كل مدينة أقيم بها المعرض، يستمع لآرائهم حول المملكة، ويجيب عن أسئلتهم، وأسهم هذا في تشكيل صورة كاملة لنظرته الاستراتيجية للإعلام السعودي الخارجي.
داخلياً جرت العادة بعد قراءته الصحف اليومية أن يدوِّن ملاحظة أو معلومة مفيدة أو أكثر من مضامين مقالات الكتاب أو الأخبار، وكثيراً ما اتصل بالسكرتارية ليطلب معلومات أوسع عن موضوع أو قضية ما طرحها أحد الكتاب، أو ليوجه بتوضيح الحقيقة لمن جانبه الصواب في طرحه، فقد كانت قاعدته العملية أنه إذا كان ما كتب صحيحاً نستفيد منه، وإذا خلاف ذلك يبلغ المصدر بالحقيقة لتوضيحها.
لقد أثبت تاريخ الملك سلمان الإعلامي، الذي يتمحور في غاية جوهرية تكمن في إظهار مكانة السعودية إعلامياً في الوطن العربي وأمام العالم الخارجي منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض، أنه في واقع الأمر يمثل رافدا قوياً للإعلام السعودي الذي يتابع ويتفاعل بدقة مع ما ينشر في الأخبار والصحف، فيناقش المخطئ ويشكر المجتهد، وكان دائماً قريباً من كل القيادات الإعلامية مسانداً لهم في كثير من قضاياهم الشخصية أو العملية.


من هذا المنطلق، وبعد أن أصبح الملك سلمان هو من يقود البلاد ويدعم ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في خطة 2030، فإنه من المتوقع ومن خلال هذه التجربة العريقة، ورؤية الوطن الواعدة أن تكون للإعلام الخارجي السعودي صفة وهيكلة جديدة، تختلف عما كانت تقوم به وزارة الإعلام في السابق، بأدوات متطورة قادرة على إيصال الصوت السعودي بأسلوب يواجه التحديات ويواكب العصر الحديث، خصوصاً بعد ابتكار وسائل الإعلام الجديدة وانتشارها، وذلك على نحو يحقق طموح الجميع في وجود إعلام يرقى إلى مكانة موطن العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية الرائدة، ومحور ربط القارات الثلاث.


* عضو مجلس الشورى السعودي