& إيلي يوسف

عندما قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاستغناء عن جيف سيشنز، وزير العدل (المحامي العام - كما يُعرف في الولايات المتحدة) السابق وصديقه المقرّب وأكثر أعضاء الكونغرس حماسة وتأييداً له خلال حملته الانتخابية، قال إنه «لو كان يعلم بأن سيشنز سينأى بنفسه عن التحقيق في ملفّ التدخل الروسي المفترض، لكان اختار مدعياً عاماً بديلاً عنه بسرعة».

وعثر ترمب على هذا الرجل في شخص ويليام بيلهام بار، الذي أقسم اليمين وزيراً جديداً للعدل يوم 14 فبراير (شباط) الماضي، ليغدو الشاغل الخامس والثمانين للمنصب في تاريخ الولايات المتحدة، وأول شخص يجري تعيينه لولاية ثانية وزيراً للعدل منذ جون كريتيندين عام 1850.

وبالفعل، لم يخيب بار أمل الرئيس ترمب، إذ سارع على الفور إلى تولي ملف هذه القضية التي سمّمت أجواء نحو سنتين من ولايته الرئاسية الأولى. وعلى الرغم من أن نتائج التحقيق في هذا الملف خلُصت إلى تبرئة ترمب من تهمة التواطؤ مع روسيا، فإن القضية تحوّلت إلى نزاع سياسي، كشف عن أزمة عميقة تعيشها الديمقراطيات الغربية في تعاملها مع صعود اليمين المتشدد، وعجزها عن حل أزمة التمثيل السياسي، والرد على التحديات الاقتصادية التي أنتجتها العولمة وتداعيات قضية الهجرة والمهاجرين.

على الرغم من الاعتقاد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير عدله (المحامي العام) ويليام «بيل» بار صديقان حميمان منذ الثمانينات، ويتبادلان الزيارات العائلية، كان بار ينتقد علناً تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي، إذ كتب بار عام 2017 أن مولر «أخطأ في تعيين محققين في فريقه ساهموا في دعم سياسيين ديمقراطيين»، في إشارة إلى هيلاري كلينتون. وأضاف أن «فريقه (أي فريق مولر) كان يجب أن يكون أكثر توازناً، كما كان التحقيق قاصراً، لأن هدفه كان الإطاحة بالرئيس». وفي يونيو (حزيران) عام 2018، أرسل بار مذكرة من 20 صفحة إلى نائب وزير العدل رود روزنشتاين، قال فيها إن «نهج مولر حول إثبات أن ترمب يسعى إلى عرقلة محتملة للعدالة، كان أمراً قاتلاً، لأن تصرفات الرئيس كانت ضمن سلطته الرئاسية».

ثم، وفي 7 ديسمبر (كانون الأول) 2018، أعلن ترمب ترشيحه لبار خلفاً لسيشنز، الأمر الذي وُصف بأنه بمثابة تعيين كبير المحامين للدفاع عنه في ملف التحقيق الذي يتولاه روبرت مولر.

- مدافع مخلص عن ترمب

جدير بالذكر أيضاً، أن بار كان قد دعم قرار الرئيس ترمب بطرد جيمس كومي، المدير السابق لـ«مكتب التحقيقات الاتحادي» (إف بي آي) عام 2017، قائلاً إن الرئيس لم يرتكب خطأً عندما دعا للتحقيق مع هيلاري كلينتون حين كان الاثنان يتنافسان على الرئاسة، ورغم أنه لم يدعُ إلى سجنها أو مقاضاتها، فإنه اعتبر التحقيق معها أمراً واجباً. وقال إن الجدل كان يجب أن ينصب حول قضية اليورانيوم الروسي المتهمة فيه كلينتون، بدلاً من النظر فيما إذا كان ترمب يتآمر مع روسيا للتأثير على انتخابات عام 2016.

وفي تطوّر ينذر بالتحوّل إلى أزمة سياسية جديدة، لكن هذه المرة بمبادرة من الجمهوريين، أعلن بار يوم الثلاثاء الماضي أنه سيشكّل فريقاً لمراجعة قرارات مكافحة التجسّس التي اتخذتها وزارة العدل ومسؤولو «إف بي آي»، بما في ذلك الإجراءات المتخَذة خلال التحقيق في حملة ترمب صيف 2016. وتابع أن «التجسس على حملة سياسية يُعدّ أمراً كبيراً»، في إشارة إلى «إف بي آي»، الذي يتهمه بار بأنه بادر إلى فتح تحقيق ضد حملة ترمب لأسباب سياسية، في ترديد للأوصاف التي استخدمها الرئيس ومؤيدوه.



- الشهادة المكتوبة

يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2019، أي قبل يوم واحد من بدء جلسات الاستماع لتعيين بار، أرسل الأخير شهادة مكتوبة إلى اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ حول تقرير مولر النهائي، قال فيها: «مهم جداً إطلاع الجمهور والكونغرس على نتائج التحقيق، وهدفي كمحامٍ عام توفير أكبر قدر ممكن من الشفافية بما يتسق مع القانون».

وفي 22 مارس (آذار) 2019، أنهى مولر تحقيقه وقدّم التقرير النهائي إلى بار لدراسته. وبعد يومين قدّم بار تقريراً من أربع صفحات إلى الكونغرس لخّص فيه الاستنتاجات الرئيسية للتقرير، وهي: أولاً أن التحقيق لم يثبت وجود مؤامرة أو تنسيق بين حملة ترمب وجهود روسيا للتدخل في انتخابات عام 2016. وثانياً، لم يطلب مولر أي إجراء إضافي لاتهام ترمب بعرقلة العدالة، وأن «التقرير لا يخلص إلى أن الرئيس ارتكب جريمة وإن كان لا يعفيه».

ثم يوم الاثنين الماضي، بعد ردات فعل عنيفة ومطالبات مجلس النواب بنشر تحقيق مولر بالكامل، وافق بار على نشر أجزاء أوسع منه، محتفظاً بحق حجب كثير من المعلومات، التي اعتبر كشفها «مضراً بالأمن القومي».



- بار... وتاريخه السياسي

أثبت إذن ويليام بار ولاءه المبكر لدونالد ترمب «لأنه بعد كل شيء، ما الواجب الأعلى الذي يمكن أن يقوم به المحامي العام للولايات المتحدة غير المزايدة الشخصية للرئيس؟»، بحسب ما كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أخيراً. لكن الأمر قد لا يبدو على هذا النحو بالنظر إلى تاريخ الرجل، الذي تقلد مناصب حكومية كثيرة، ولو كانت مواقفه تعكس على الدوام انتماءه الحزبي وقناعاته السياسية. بل إن بار، حقاً، عضو في الحزب الجمهوري، وسبق له أن تبّرع للمرشح الجمهوري جيف بوش خلال حملة 2016 بمبلغ 50 ألف دولار.

وُلِد ويليام بار في مدينة نيويورك يوم 23 مايو (أيار) 1950، وهو محامٍ سبق له أن شغل منصب نائب المحامي العام عام 1991، ثم تولى منصب وزير العدل من 1991 إلى 1993، بعدما أُعجب الرئيس الأسبق جورج بوش الأب بإدارته لملف 9 رهائن في أحد السجون الاتحادية، احتجزهم 121 نزيلاً كوبياً كانوا ينتظرون ترحيلهم إلى كوبا. ويومذاك، طلب بار - الذي كان نائباً لوزير العدل في تلك الفترة - من فريق إنقاذ تابع لـ«إف بي آي» مهاجمة السجن، ما أدى إلى إنقاذ جميع الرهائن من دون خسائر في الأرواح.

- موقفه من الإجهاض

كانت جلسة تعيين بار وزيراً للعدل للمرة الأولى عام 1991 هادئة بشكل غير عادي. وحظي باستقبال جيد من الجمهوريين والديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، بخلاف جلسة تثبيته الأخيرة وزيراً للعدل، في فبراير الماضي.

وفي حينه، ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن الحق الدستوري في الخصوصية يشمل الحق في الإجهاض، أجاب بار بأنه يعتقد أن الدستور لم يكن في الأصل يهدف إلى إنشاء حق في الإجهاض، الذي هو قضية مشروعة لمشرّعي الولايات، وليس لديه آراء ثابتة أو مستقرة بشأنه.

هذا الرد حدا برئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ - آنذاك - جو بايدن (نائب الرئيس الأميركي لاحقاً) بالقول إنه على الرغم من اختلافه مع بار، فإن كلامه هو أول إجابة صريحة يسمعها من أحد المرشحين لمنصب وزير العدل حول سؤال يجري التهرُّب منه عادة، ثم وصفه بأنه «رجل يعيدنا إلى الأيام التي كان لدينا فيها محامون بالفعل».

- الخلفية الاجتماعية

والدة وزير العدل، ماري مارغريت، ووالده، دونالد بار، كانا عضوين في هيئة التدريس بجامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك. وللعلم، فإن والده من أصل يهودي لكنه اعتنق الكاثوليكية وأنشأ ابنه في مدرسة كاثوليكية. وحصل ويليام على شهادة البكالوريوس عام 1971 وشهادة الماجستير في الدراسات الحكومية والصينية عام 1973 من جامعة كولومبيا، ثم حصل على درجة الإجازة (الدكتوراه) مع مرتبة الشرف العليا عام 1977 من كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن.

في مقالة علمية له عام 1995 كتب بار بأن الحكومة الأميركية «مبنية بدقة» على نظام القيَم اليهودي - المسيحي. وصارع العلمانيين والليبراليين بشدة، قائلا إنهم يستخدمون ثلاث طرق لتغيير النسق القائم:

- القانون، كسلاح للقضاء على القواعد الأخلاقية التقليدية عبر إزالة الحواجز التي تحول دون الطلاق.

- تعزيز النسبية الأخلاقية، من خلال إقرار القوانين التي تحل الإجماع الأخلاقي، وفرض الحياد، لإعطاء المثليين حقوقاً كغيرهم من الأشخاص.

- استخدام القانون مباشرة ضد الدين لاستبعاد المواطنين ذوي الدوافع الدينية من الساحة العامة.

وختم بار بالتذكير بضرورة الحاجة إلى إعادة هيكلة التعليم، والاستفادة من التخفيضات الضريبية للمؤسسات الخيرية لتعزيز التعليم الكاثوليكي.

- في الاستخبارات

من عام 1973 إلى عام 1977، عمل بار في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كذلك عمل في فريق السياسة المحلية في البيت الأبيض إبان عهد الرئيس رونالد ريغان بين مايو 1982 وسبتمبر (أيلول) 1983، مع لقبه الرسمي نائباً مساعداً لمدير السياسة القانونية.

واشتهر بار، منذ ذلك الحين، بأنه مدافع قوي عن السلطة الرئاسية، وكتب مطالعات تبرّر الغزو الأميركي لبنما، واعتقال رئيسها مانويل نورييغا. وله رأي مثير للجدل يعطي «إف بي آي» الحق بدخول الأراضي الأجنبية دون موافقة الحكومة المضيفة، للقبض على الهاربين المطلوبين من قبل حكومة الولايات المتحدة، في تهم الإرهاب أو الاتجار بالمخدرات.

وفي 24 ديسمبر 1992، وقبيل نهاية ولايته بعد هزيمته من قبل بيل كلينتون، أصدر الرئيس جورج بوش الأب عفواً عن ستة من مسؤولي الإدارة، خمسة منهم أدينوا بتهم تتعلق بما عُرف بـ«فضيحة إيران - كونترا» بعد التشاور مع بار. ولقد دافع الأخير بشكل خاص عن وزير الدفاع السابق كاسبار وينبرغر، الذي لم يُحاكَم قَط.



- موضوع الهجرة

ودافع بار أيضاً، بعد سنوات كثيرة، عن قرار الرئيس ترمب فصل المدعية العامة بالوكالة سالي ييتس بسبب رفضها الدفاع عن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب لمنع دخول مواطني سبع دول غالبيتهم من الدول الإسلامية. يُذكر أنه عندما كان نائباً لوزير العدل عام 1990، قاد بار بنجاح، إلى جانب آخرين في وزارة العدل، جهود سحب اقتراح من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية كانت ستسمح للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب (إيدز) بدخول الولايات المتحدة. كذلك دعا إلى استخدام قاعدة خليج غوانتانامو الأميركية لمنع اللاجئين الهايتيين والأفراد المصابين بفيروس «الإيدز» من طلب اللجوء في الولايات المتحدة. ووفقاً لمحطة «فوكس نيوز» في ديسمبر 2018، دعم بار أجندة «القانون والنظام» ضد الهجرة، حين كان وزيراً في إدارة بوش الأب.

- مكافحة الجريمة

آيديولوجياً، عندما عُيّن بار وزيراً للعدل عام 1991 وصفته وسائل بأنه «محافظ متشدد». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إنه يؤمن بأن مكافحة الجريمة العنيفة مستحيل إلا من خلال توسيع السجون الاتحادية وسجون الولايات لحبس المجرمين العنيفين.

واتخذ على الفور تدابير لمكافحة الجريمة في محاولة لإعطاء الأولوية لهذا الملف. وأعاد تشكيل 300 من عملاء «إف بي آي»؛ من العمل في مكافحة التجسس إلى التحقيق في عنف العصابات، وهو ما وُصف بأنه أكبر تغيير في القوى العاملة بتاريخ «إف بي آي».

وفي تأكيد لنهجه المحافظ المتشدد يؤيد بار عقوبة الإعدام، لأنه يعتقد أن قوانين عقوبة الإعدام الأكثر صرامة تقلل من الجرائم. وكان قد دافع عن مشروع قانون دعمه الرئيس بوش الأب، يوسع أنواع الجرائم التي يمكن معاقبتها بالإعدام. ودعا لأن يقتصر السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في الطعن بأحكامهم على القضايا التي لا تستمر لسنوات طويلة. وقال إن «القضايا التي لا نهاية لها تدمر نظام العدالة الجنائية، وتقلل من تأثير القوانين وتستنزف موارد النيابة العامة وتعيد باستمرار فتح جروح الضحايا والناجين»، على حد قوله.