& عدنان كريمة

&منذ أن تسلم رياض سلامة حاكمية مصرف لبنان في أغسطس 1993، ارتبط اسمه باستقرار سعر النقد في مستوى 1500 ليرة مقابل الدولار، مع هامش رمزي ضئيل بين البيع والشراء، تمسكاً بالتزام مبدأ «العملة العائمة». وتمكن في الوقت نفسه من دعم احتياطي العملات الأجنبية، حتى بلغ 43 مليار دولار، إضافة إلى 12 مليار دولار قيمة موجودات الذهب، أي أن «الليرة» مغطاة بما لا يقل عن 55 مليار دولار، لحمايتها والحفاظ على قيمتها. كذلك تمكن من تحسين الوضع المالي للمصرف الذي تبوأ مؤخراً المرتبة الأولى عالمياً بين كل المصارف المركزية، لجهة نسبة ميزانيته إلى الناتج المحلي الإجمالي والبالغة 250 في المئة، وفق تقرير صادر عن شركة«Bank of America – Merrill Lynch».


يستدل من هذه المؤشرات، نجاح «السياسة النقدية»، مقابل عدم نجاح، إنْ لم نقل فشل «السياسة المالية»، وهي من مسؤولية الدولة ممثلة بوزارة المالية، ما أدى إلى خلل كبير في التوازن المالي وتراكم العجز والاستدانة، حتى بلغ الدين العام أكثر من 87 مليار دولار، بما يزيد على 160 في المئة من الناتج المحلي، وهو أمر خطير جداً، مقارنة مع القاعدة الذهبية لميثاق «ماستريخت» والمحددة بـ60 في المئة.&


أما بالنسبة للقطاع المصرفي، فإن مسؤولية «مصرف لبنان»، تكمن في ضبط عمل المصارف وتأمين سلامة القطاع بتطبيق تعليمات «المركزي» وفق قانون النقد والتسليف. وحرصاً من حاكم المصرف على تحقيق هذا الهدف، سعى طوال ولايته على دعم هذا القطاع، وتوفير العمليات المناسبة لتأمين الأرباح المقبولة له، والتي تمكنه من الاستمرارية، وتحصينه من المخاطر، لكونه «القاطرة» لمسيرة الاقتصاد اللبناني بمختلف قطاعاته. وقد ساهم ذلك في مضاعفة الميزانية المجمعة للمصارف إلى 245 مليار دولار، وحجم الودائع الذي تجاوز 185 مليار دولار، وأصبحت الموجودات تساوي أكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. تنوعت عمليات الدعم، بين «الهندسات المالية» ودعم قروض السكن والقطاعات المنتجة بما كلفته 16 مليار دولار، وكان آخرها رزمة جديدة للعام الحالي تزيد على المليار دولار. الأمر الذي ضاعف من قدرة القطاع المصرفي على تمويل عجز خزينة الدولة المتراكم سنوياً. ومع استمرار الركود الاقتصادي وتراجع الاستثمار في القطاع الخاص متأثراً بالتطورات الإقليمية، حيث يقع لبنان وسط منطقة عالية المخاطر، أصبحت الدولة أكبر زبون لدى المصارف، التي تأثرت سلباً جراء السمعة السيئة لاستمرار عجز الموازنة وتراكم الدين العام، وتراجع تصنيفها الائتماني من قبل المؤسسات الدولية. ولوحظ أن وكالة «ستاندرد اندبورز» صنفت رقم 9 للمخاطر الاقتصادية في لبنان، ورقم 8 لمخاطر القطاع المصرفي، وذلك مثل تونس ونيجيريا وأذربيجان وكازاخستان، مع العلم أن المجموعة رقم 10 تشمل الأنظمة المصرفية الأكثر عرضة للمخاطر. وحيال ذلك اضطرت المصارف اللبنانية إلى خفض حصتها بالاكتتاب في سندات الخزينة، وأودعت فائض سيولتها لدى «المركزي» الذي اضطر بدوره للحلول محلها، حتى أصبح يتحمل حالياً نحو 50 في المئة من حجم الدين العام، مقابل 35 في المئة للمصارف، و15 في المئة يتحملها القطاع غير المصرفي.&


ولكن، في ضوء تلك التطورات، إذا كانت السياسة النقدية قد نجحت، في حين فشلت السياسة المالية، فإن خبراء معارضين لسياسة «سلامة» ينتقدونه ويحملونه مسؤولية المساهمة في ارتفاع حجم الدين العام نتيجة ارتفاع الفوائد المصرفية، التي استأثرت بأكثر من ثلث الإنفاق العام للدولة بين عامي 1993 و2018، ومنهم وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش الذي أشار إلى أن خدمة الدين قد تتجاوز 6,5 مليار دولار للعام الحالي، وكل خفض 1 في المئة للفائدة، يخفض الإنفاق 900 مليون دولار.

&