& عمرو عبد السميع

&حينما تولى الرئيس الفرنسى الراحل جورج بومبيدو مقاليد الرئاسة بعد اضطرابات باريس 1968، والاستفتاء الذى أجراه ديجول (البطل الفرنسى التاريخي) ولم يحصل فيه على نسبة ترضى كبرياءه، سأله بعض الصحفيين عن الخط الذى سيسير عليه فأجاب: (أنشد التغيير فى إطار الاستمرار)، وهذا هو ما جرى فى السودان الشقيق بالانقلاب العسكرى الذى أطاح بالرئيس البشير يوم الخميس الماضى بعد أسابيع من الاضطرابات، إذ يبدو واضحا أن المجلس العسكرى الانتقالى ينتمى إلى نفس نوع التوجهات التى كانت سائدة فى الخرطوم، وعلى الرغم من تخلى وزير الدفاع عوض بن عوف عن رئاسة المجلس الانتقالى وتعيين عبدالفتاح البرهان مكانه (وهو المعروف ببعده عن التيار الإسلامي)،

فإن الإطار الفكرى للمجموعة التى تولت الأمر فى السودان يظل محل تساؤل كبير، وبالذات عند قطاعات المحتجين المدنيين التى اعتصمت عند ساحة وزارة الدفاع، وربما أكد ذلك أن رئيس اللجنة السياسية بالمجلس الانتقالى الفريق عمر زين العابدين أجاب عن كل الأسئلة التى وُجهت إليه فى المؤتمر الصحفى إلا سؤالا واحدا يتعلق بالتوجه الدينى الإسلاموى لمن قاموا بالانقلاب، فقد عبر عنه من دون أن يجيب، ويثير هذا الأمر استفهامات كثيرة وبخاصة فى ضوء الأنباء التى تواترت عن هجمات تعرضت لها مقار الجماعة الإسلامية فى الساعات الأولى للانقلاب على أيدى من قاموا به، وتم الهجوم فى إطار ضرب ركائز البشير وليس فى إطار التناقض أو التقاطع مع اتجاهه الفكرى، وربما يؤكد ذلك ما أعلنه ممثلو الجيش السودانى، من أنهم لن يقصوا أحدا وسيدعون عناصر حزب المؤتمر الوطنى (حزب البشير) إلى الحوار المزمع عقده مع كل القوى فى السودان..

وأهمية هذا الملف أن أى قارئ للأوضاع فى السودان خلال السنوات الماضية يعرف جيدا أن ذلك الاتجاه الدينى الأحادى والإقصائى هو سبب معظم مشكلات دولة فيها كل هذا التنوع الثقافى والعرقى والدينى، ومجتمع له هذا المزاج الحر المنطلق شديد الكبرياء والطيبة وسريع الغضب أيضا، ومن هنا فإن موقف مصر المتوازن والحكيم بتأييد كل خيارات الشعب السودانى وتأكيد الثقة فى الجيش السودانى هو موقف عاقل وممتاز، ولكن يبقى سؤال التوجه الفكرى لسودان ما بعد البشير سؤال بغير إجابة على الأقل حتى اللحظة الراهنة.