&FINANCIAL TIMES

مفارقة .. وسائل إعلام النخبة تهزم زمن الشعبوية& & &

& سايمون كوبر&&

هذه أوقات عصيبة لمعظم الصحافيين. القادة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى زعيم المعارضة البريطاني جيرمي كوربين، يتهمون الصحافة بالكذب.&
في فرنسا، حيث أعيش، وصلت الثقة بوسائل الإعلام إلى أدنى مستوياتها منذ 30 عاماً، فيما تهاجم حركة السترات الصفراء المراسلين بانتظام.&
التدمير الكبير الناتج عن الإنترنت للوظائف الصحافية يستمر في الصحف المحلية ووسائل الإعلام الرقمية. ويهاجر المعلنون إلى موقعي جوجل وفيسبوك.
ومع ذلك، فإن "وسائل إعلام النخبة" خاصة المطبوعات التي تُباع إلى الليبراليين في لندن تزدهر في هذه الحقبة المعادية للنخبوية.&
صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وجارديان، ونيويوركر، وأتلانتك تسجّل أرقاماً قياسية.&


صحيفة نيويورك تايمز تجاوزت أربعة ملايين مشترك؛ فيما كانت ذروة تداول الصحيفة المطبوعة في عام 1994، قد بلغت 1.18 مليون.&
في الوقت نفسه، سجلت صحيفة فاينانشيال تايمز للتو مشتركها المليون، الرقم الأكبر في تاريخها منذ 131 عاماً. "عثرة ترمب" و"عثرة البريكست" تستمر. لماذا؟
الانتصارات الشعبوية في عام 2016 أخذتنا على حين غرة. الموت البطيء للصحف المحلية (نظام التحذير المبكر التقليدي لأي شيء يتطور خارج المحكمة) يعني أننا فوّتنا الغضب في ساندرلاند وأوهايو.&
الانحراف الشعبوي في "وسائل الإعلام الحضرية البعيدة عن الأحداث" يصل إلى الوطن: يعمل في وسائل الإعلام النخبة الآن إلى حد كبير أشخاص يحملون درجات الماجستير، يأخذون النبض الوطني من بروكلين أو شمال لندن.
بعد عام 2016، كان من الممكن أن نُقرر أن نتغير: لنشر الصحافيين في المناطق، وتوظيف كتّاب شعبويين يروجون لقضايا مثل البريكست والجدران الحدودية. بدلاً من ذلك، بوعي شبه كامل، تحوّلت وسائل الأعلام النخبة إلى أندية للقراء الليبراليين.
يعتقد كثير من النقاد أن معاداتنا للشعبوية يتم تنسيقها من الإدارة العُليا. غالباً ما يُخبرني القرّاء أن رئيس تحرير صحيفة فاينانشيال تايمز، أو مالكتها مجموعة الإعلام اليابانية نيكاي، يطلبون مني معارضة البريكست.&
في الواقع، أنا قمت بذلك بنفسي، ويغلب على ظني أن الآخرين فعلوا ذلك أيضاً. ليس بالأمر الكبير أننا من الليبراليين الأيديولوجيين الملتزمين.&


معظم النقاد في وسائل الإعلام النخبة يعرفون أنهم لا يعرفون الكثير؛ وظيفتهم التاريخية هي أن يكونوا لسان خبراء المؤسسة المعتمدين.&
لو قال لنا خبراء الاقتصاد إن البريكست سينجح، أو إن علماء المناخ رفضوا ظاهرة الاحتباس الحراري، لكنا قد صدّقناهم، لكنهم لم يفعلوا.&
وبالتالي، حتى منشورات النخبة التي كانت تميل إلى اليمين في السابق مثل ("ذا إيكونوميست" أيّدت جورج بوش الابن في عام 2000) تُعارض الآن الشعبوية.
في هذه الأوقات المجنونة، يلجأ كثير من الليبراليين إلى وسائل الإعلام النخبة ليجدوا التعبير عن قيمهم. لم تعرف الصحف أبداً من قبل ما يقرؤه القرّاءن إلا أننا في الحقبة الرقمية، نعرف الآن: في الوقت الحالي، هم يحبون المقالات التي تُؤكد هوياتهم من جديد.&
في وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية، هذا يعني أي شيء عن ترمب أو البريكست. سواء كنت مع أو ضد، تشعر أنك معني عاطفياً.&
في المقابل، المقالات عن تغير المناخ لا تُقرأ. بشكل حتمي، معظم صحف النخبة تقدم إلى القراء الليبراليين المواضيع التي يُريدونها.&
لهذا السبب جزئياً تُركّز صحيفة نيويورك تايمز على حروب الثقافة الأمريكية، وربما أفرطت في تغطية قصة ترمب وروسيا، على الرغم من أنه في تلك الحالة، يلعب جمع الأخبار بالطريقة القديمة دوراً أيضاً: تقليدياً، التسريبات في العاصمة واشنطن تصل إلى صحيفتي التايمز أو البوست، والسبق الصحافي يحقق نتائج باهرة.
في الوقت نفسه، تتواصل وسائل إعلام النخبة مع القرّاء بشكل لم يسبق له مثيل، عبر الرحلات البحرية والمهرجانات.&


مجلة نيشن اليسارية تُنظم رحلات "تقدمية" إلى إيران وكوبا. وتُدير صحيفة جارديان نشاطات اجتماعية على الإنترنت، فيما تبيع صحيفة داجينز نيهيتر السويدية دراجات كهربائية تحمل اسم الصحيفة.&
كل هذا يُعزز ارتباط القرّاء العاطفي. قرّاء صحيفة جارديان الذين أنقذت تبرعاتهم الصحيفة، لا يشعرون أنهم مجرد قرّاء؛ بل هم أعضاء فيها. ذات مرة أحد قرائنا عرَّفني على نفسه بأنه "ليبرالي الفاينانشيال تايمز- إيكونوميست". وسائل الإعلام النخبة تُصبح أندية.
على العكس من ذلك، فإن القرّاء غير الليبراليين يخرجون منذ فترة طويلة من النادي. هناك أسترالي غير مقتنع بتغير المناخ أرسل لي رسالة بالبريد الإلكتروني يقول فيها إنه يرجو أن تصدمني سيارة.&
في إيطاليا، صحيفة كوريير ديلا سيرا، وهي تقليدياً صحيفة النخبة الشمالية من يمين الوسط، تخسر القرّاء الذين تحوّلوا إلى اليمين المتطرف. مجلة ذا إيكونوميست وصحيفة فاينانشيال تايمز أثارتا عداء القرّاء الذين يدعمون ترمب والبريكست.
ربما يكون القرّاء الغاضبون محقين في الشكوى من التحيّز الليبرالي، لكنهم مخطئون في اتهامنا بالكذب. تماماً كما يتم شطب المحامين من النقابة بسبب سوء التصرف، كذلك يتم طرد الصحافيين في وسائل الإعلام النخبة بسبب الكذب.&
يُشير الشعبويون في بعض الأحيان إلى كلاس ريلوتيوس، مراسل مجلة شبيجل الذي كان يختلق المواضيع، لكن مهنة ريلوتيوس انتهت في عام 2018 عندما اكتشفت المجلة متأخرة خداعه. هذا يُشير إلى أن وسائل الإعلام النخبة لديها ضمانات أقوى من الدستور الأمريكي.
وسائل الإعلام النخبة ترتكب الأخطاء باستمرار. هذا أمر لا مفر منه: الصحيفة تنشر كل يوم عددا من الكلمات يكفي لتعبئة بضعة كتب، غالباً عن أشخاص مزيفين يخفون حقيقتهم، لكننا نحاول قول الحقيقة.
هذا ليس عرضاً مقنعاً للغاية. بالنسبة لمعظم الناس، الحقيقة هي أولوية من الدرجة الثانية. الهوية والترفيه ربما كانتا دائماً أكثر أهمية.&


مع ذلك، يتم انتقادنا، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الاجتماعي ومحترفي العلاقات العامة (الذين يفوق عددهم الصحافيين بنسبة 6 إلى 1 في الولايات المتحدة) يطغون علينا الآن، إلا أنه لا يزال يتم سماعنا في بعض الأحيان.&
كشوفات صحيفة نيويورك تايمز لتحرشات هارفي واينشتاين أثارت حركة MeToo؛ كما أن تقارير صحيفة واشنطن بوست أجبرت على طرد مايكل فلين، مستشار الأمن القومي ذي السمعة السيئة؛ وفي كل يوم، تتحدى وسائل الإعلام النخبة والمزاعم الشعبوية. كما يُشير ماثيو دانكونا في كتابه Post Truth، يجري مهاجمة صحيفتي التايمز والبوست جزئياً بسبب أهميتهما.
أنا أشعر بالقلق من كيف سنتأقلم ما بعد الشعبوية؟