&فارس بن حزام&&

كلما ظهرت قصة فتاة سعودية غاضبة خارج المملكة، أتساءل: هل الحكومة مسؤولة عن ضبط وتقويم 12 مليون مواطنة في الداخل والخارج؟ الجواب: لا. ذلك أن مسؤوليتها ضبط النظام داخل حدودها، ولا شأن لها بسلوك من اختار المغادرة، إلا إذا استهدف أمنها واستقرارها.


وفي هذه الحالة، لا شأن للحكومة السعودية بخلاف عائلي، قررت فتاة على ضوئه الهرب من أسرتها خلال رحلة سياحة، ذلك أنه موضوع خاص داخل المنزل، والمسؤولية تنحصر هنا في حدود طلب الأسرة المساعدة من السفارة.

ويخطئ المسؤولون عندما يتفاعلون مع حالات الهرب، فأي مبادرة، بمتابعة أو تعليق، هي بمثابة استجابة لاستدراج الخصوم إلى هذه المعركة المفتعلة، لتبدأ الحملات الإعلامية، تليها بيانات المنظمات الحقوقية الجاهلة، وصولاً إلى التعليقات الانتهازية من بعض الدول. ماذا لو تجاهلت الحكومة القصص الهشة هذه؟ الجواب أن الإعلام الأجنبي لن يجد باباً يدخل منه، ولن تجد المنظمات الحقوقية رسالة تتشدق بها.

لكن، ألا توجد نساء متضررات في السعودية؟ هناك الكثير فعلاً. المخافر والمحاكم مليئة بملفات حقيقية، وأول سؤال يرد في البال: هل بادرت أي من الهاربات إلى الشكوى ضد عنف أسرتها داخل المملكة؟ تنشر الصحف المحلية باستمرار أوامر قضائية بمعاقبة أولياء أمور أساؤوا التعامل مع زوجاتهم وبناتهم، وصرحت وزارة الشؤون الاجتماعية بأنها تعاملت مع 11 ألف بلاغ عام 2016. وما يلفت الانتباه أن من ملكن وسيلة للإفلات ومغادرة البلاد، هن في الغالب أفضل حالاً، وبعضهن حتى مرفّهات. بدا ذلك واضحاً من أسلوب حياة معظم الفتيات، والقاسم المشترك بين مسرح كل حادثة؛ سفر وسياحة.

تعيش السعودية في سنواتها الحاضرة تغييراً لافتاً في شؤون المرأة، لا ينكره عاقل. والتشويش على هذه الخطوات صريح من الخارج ومن بعض الفلول المشككة في الداخل. وإذا كانت الهاربات ومن رعاهن "نسويات ثوريات"، فحري بهن البقاء والمشاركة في عجلة التغيير المستمرة في الدوران، ومتسارعة الوتيرة في الوقت الحالي، والإسهام بفاعلية في تشكيل المرحلة الحالية والمقبلة، وخلق حياة أفضل لهن وللأجيال القادمة؛ فالوضع الحالي ومجرياته الإيجابية مثل تربة سقيت بماء اهتمام جاد، وحان وقت اليقين والتخصيب.

كل يوم هناك مئات النساء ينتقلن من ولاية إلى أخرى في أميركا، وبين الدولة المختلفة، ومئات آلاف العربيات اللواتي تركن أوطانهن طلباً للتغيير ومغادرة الأسرة، والآلاف في مخيمات اللاجئين والمهاجرين، وهناك تشريد واغتصاب وجرائم منظمة ضد النساء، بناء على عرق أو دين أو صراع سياسي، لا يلتفت الإعلام إليها. أما حين تختلف فتاة سعودية مع أسرتها، نجد أننا أمام قضية "دولية". إنها الإنسانية الاختيارية مرة أخرى. غير أن اللافت في هذا الملف الصغير، هو موته السريع. كل فتاة تهرب يحتفى بها لأيام قليلة قبل أن تختفي أخبارها؛ نتيجة لهشاشة الرسالة وضعف الهدف.

يبدو أننا نسينا الفتاة "رهف"، بدأت الدراما من تايلاند إلى كندا، فأين هي الآن؟

&