&مصطفى السعيد

&

يزداد القلق الأمريكى من غزو الاستثمارات الصينية لمختلف أرجاء العالم، ومعها نفوذ اقتصادى وسياسى على حساب الولايات المتحدة، وبلغ الأمر حد تحذير ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو من تدفق الاستثمارات الصينية على قطاعات مهمة داخل إسرائيل، خاصة الاتصالات والتكنولوجيا والبنية التحتية، غير أن النصائح الأمريكية لا تبدو مجدية، فالاستثمارات الصينية تتقدم داخل أمريكا نفسها بمعدلات كبيرة، وبلغت فى عام 2016 نحو 46 مليار دولار، غير أن سياسة ترامب سعت إلى الحد من تدفق الإستثمارات الصينية، لكن من الصعب إقامة السدود، أمام الاستثمارات الصينية حتى داخل الولايات المتحدة، التى تحتاج مثل هذه الاستثمارات، لكنها تخشى من هيمنة صينية على قطاعات حيوية تضعف قدرة الولايات المتحدة على المنافسة العالمية، ومن بين المخاوف الأمريكية شراء الصين لنحو 19% من السندات الأمريكية بقيمة تتجاوز تريليون دولار، وهو ما وصفه الخبراء بالقنبلة النووية الاقتصادية الصينية، التى يمكن للصين أن تزلزل بها الدولار الأمريكي، بل مجمل الاقتصاد الأمريكى فى حالة وصول الحرب التجارية إلى حافة الهاوية، وهو ما تحرص كل من بكين وواشنطن إلى عدم الوصول لمثل هذا المستوى الخطير من الحرب التجارية، لأن انعكاساتها السلبية سوف تلحق أضرارا جسيمة بكلا الطرفين، وهو ما جعل الرئيس الأمريكى يتراجع ولم يفرض رسوما جديدة كان قد أعلن عن اعتزام تطبيقها فى مارس الماضى بنحو 25%، وبرر التراجع باحتمال التوصل إلى اتفاقية مرضية تقلل من العجز الكبير فى الميزان التجارى الأمريكى مع الصين، والذى قال عنه ترامب: إن حصول الصين على 500 مليار دولار من الأسواق الأمريكية لم يعد مقبولا، لكن ترامب يتجاهل دائما قواعد التجارة الحرة التى يقوم عليها الاقتصاد الرأسمالى واتفاقية التجارة العالمية الحرة التى كانت الولايات المتحدة تضغط على دول العالم للالتحاق بها طوال العقود الماضية، وإذا بها توجه لها الضربات الآن، بعد أن عجزت عن كسب السباق فى المنافسة التجارية الحرة، وراحت تعرقل تدفق البضائع على أسواقها بزيادة الرسوم الجمركية، ولم تتوقف حربها التجارية على الصين، بل وصلت إلى حلفائها فى أوروبا وآسيا وكندا والمكسيك، لكن المضى فى طريق الحرب التجارية بهذه الأدوات يحمل الكثير من المخاطر.

رجل باع كل ممتلكاته للمتاجرة بالعملة الأجنبية بالرغم من عدم موافقة زوجته

&يتوقع خبراء الاقتصاد فشل سياسة الرئيس الأمريكى ترامب فى الحد من التقدم الإقتصادى الصيني، فالصين تملك عددا من الأدوات القوية فى الاقتصاد العالمي، من أهمها أنها أصبحت تمتلك فوائض مالية كبيرة، إلى جانب أنها تواصل تنفيذ مشروعها العملاق، والمعروف باسم الحزام والطريق والذى سيؤدى إلى تغييرات كبيرة فى مسارات التجارة العالمية من خلال مشروعات طرق برية وحديدية وبحرية ضخمة تخدم نحو 83 دولة، من شأنها منافسة خطوط التجارة التجارة القديمة وتغيير خريطتها، وتعتمد على استثمارات صينية تتجاوز 900 مليار دولار، أما الجديد فهو التفوق الصينى على الولايات المتحدة فى أحد أهم قطاعاتها وهى التكنولوجيا والاتصالات، وتتقدم شركة هواوى الصينية فى تكنولوجيا الجيل الخامس على الولايات المتحدة، ولجأت الإدارة الأمريكية إلى أدوات غير اقتصادية أو أخلاقية لمنع تقدم شركة الاتصالات الصينية العملاقة، ومنعت عددا من شركائها فى حلف الناتو من الاعتماد على تكنولوجيا الاتصالات الصينية، وروجت إلى أن هواتف شركة هواوى تتيح للصين التجسس على مكالمات ورسائل من يستخدمونها، أى أنها لجأت إلى أسوأ أنواع الدعاية السلبية. أما جديد الصين إنها ستصبح منافسا قويا لأكبر شركتين لتصنيع الطائرات التجارية فى العالم بدءا من العام المقبل، على حساب بوينج الأمريكية وإيرباص الأوروبية.

لم تلتفت بنما ودول أمريكا الجنوبية لتصريحات مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية الذى حذر فيه بنما ودول أمريكا اللاتينية مما وصفه بأخطار الاستثمارات الصينية، وجاء تصريح بومبيو وهو يرى قوات صينية وسفن مساعدات قادمة إلى فنزويلا للحيلولة دون تعرضها للغزو أو الانقلاب بعد أن أصبحت شريكا اقتصاديا ومستثمرا مهما فى فنزويلا، ويخشى بومبيو ومعه الإدارة الأمريكية من نمو النفوذ السياسى والعسكرى الصينى الذى يصاحب النفوذ الاقتصادي.

المشكلة الجسيمة التى تواجه الولايات المتحدة فى حربها الاقتصادية مع الصين أنها عجزت من خلال الأدوات الاقتصادية على المنافسة الشرعية وفقا لقوانين السوق الرأسمالية والتجارة العالمية الحرة، والخطير أن تلجأ إلى أدوات أخرى غير مشروعة للحيلولة دون تراجعها، ومن بينها الأدوات العسكرية، خاصة مع زيادة موازنة الجيش الأمريكى لتتخطى 720 مليار دولار فى وقت تعانى فيه زيادة الديون إلى 22 ترليون دولار وعجزا فى الميزان التجارى يتجاوز 650 مليار دولار، وهو مؤشر يحمل مخاطر جسيمة على العلاقات الدولية والسلام العالمي.