& أمل عبد العزيز الهزاني

&

ليبيا لم يكن لديها جيش إبان حكم الرئيس السابق العقيد معمر القذافي، لأنه خشي منه. وكل من سوريا والعراق كان جيشاهما ذوي عقيدة «بعثية» لا وطنية، واليمن منذ الإطاحة بنظام علي عبد الله صالح انقسم انقساماً قبلياً على نفسه. ربما مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي عبر بها جيشها زوابع «ثورة 25 يناير» 2011 وأوصلها إلى بر الأمان.


هناك نقاط مشتركة تربط بين الثورة المصرية والثورة السودانية، أهمها أن الجيش السوداني تولى حماية المطالبين بإسقاط نظام عمر البشير حتى تم إسقاطه. لكن الشارع السوداني لديه عقدة تاريخية من العسكريين، والعقدة مبررة إلى حد ما، إلى الحد الذي لا يتسبب بالفوضى ولا حالة الاعتصام الطويلة التي تهدد بها «قوى الحرية والتغيير». المجلس العسكري الانتقالي الحالي برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يحظى برضا وقبول عام من المواطنين، رغم موقفهم من العسكريين، وتخوفهم من تكرار سيناريو عام 1989، عندما استولى الضباط على الحكم بقيادة عمر البشير. كما أن للفريق البرهان تاريخاً وطنياً وشخصياً جعله محل ثقة لدى المجتمع الإقليمي والدولي، وهذا أمر قلما يحصل بهذه السرعة، خصوصاً من جانب القوى الغربية.&
الولايات المتحدة الأميركية شجعت التغيير، وقبلت بالمجلس العسكري، على طريقتها، بأن وعدت برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والدول الخليجية الكبرى؛ السعودية والإمارات العربية المتحدة، قدمت معونات للسودان في أزمته الحالية من إمدادات غذائية وحتى وديعة بثلاثة مليارات دولار في البنك السوداني المركزي للحفاظ على سعر الصرف ودعماً للوضع الاقتصادي عموماً.


الواقع أن الشارع العربي أصبح أكثر وعياً عما كان عليه في بداية الثورات عام 2011، الوعي جاء بعد دروس متبادلة بين الدول التي سقطت أنظمتها. وأهم درس يمكن للسودانيين والجزائريين الاتعاظ منه هو أن إسقاط الأنظمة ليس الخطوة الأصعب، بل إدارة الدولة بعد زوال نظام استمر فيها طويلاً وعمل معه الصالح والفاسد في المؤسسات المدنية والعسكرية. الفشل في إدارة الدولة ما بعد سقوط الأنظمة الحاكمة شهدناه في العراق بوضوح، رغم تهاوي نظام صدام حسين خلال أسبوعين فقط. إعادة تشكيل نظام جديد، وإدارة غضب الناس وحاجاتهم، والحذر من الانتهازيين، أمور لم تتحقق في العراق، فعاش العراقيون سنوات في جحيم من انعدام للأمن، وسرقة لمقدرات الناس، وتفشي الفساد، والعمالة لجهات أجنبية أهمها إيران.
والأمر نفسه حصل في ليبيا، والجيش الذي لم يكن موجوداً وقت سقوط العقيد القذافي عاد اليوم ليؤدي دوره بعد هذه السنوات، من خلال تصويب الثورة وإزالة ما علق بها من متطفلين.
«قوى الحرية والتغيير» في السودان، ومن ضمنها «تجمع المهنيين» الذي تشكل خلال السنوات الماضية من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعة ومعلمين وغيرهم، هذه القوى لا ترفض المجلس العسكري الانتقالي بالعموم، لأنها تحتاج إليه لضبط الشارع وحمايته من الدخلاء، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن يلتف على ثورتهم، حتى أنهم أصبحوا يخيفون أنفسهم بأنفسهم من شبح العسكر ويهولون المواقف. الحقيقة أنه من حسن حظ السودان، وأي دولة في العالم، أن يكون جيشها جيشاً وطنياً، هدفه حماية الشعب أولاً وآخراً. إن كان السودانيون يرون في تجربتهم حالة شبيهة بما حصل في مصر فعليهم أن يدركوا أنه لولا عناية الله سبحانه، ثم الجيش المصري، ووقوف الدول العربية المؤثرة كالسعودية والإمارات مع مصر، لما استطاعت أن تتجاوز المحن التي مرت بها بعد عزل محمد حسني مبارك، وخلال الانتخابات التي جلبت جماعة «الإخوان المسلمين» للحكم، وبعد ذلك عندما ساند الجيش، المصريين، في مطالبتهم بعزل محمد مرسي.


المجلس العسكري الانتقالي السوداني لا يزال حتى هذه اللحظة في انتظار أسماء مرشحين من قبل «قوى الحرية والتغيير» لحكومة تكنوقراط انتقالية تعيد البلاد إلى الطريق الصحيحة، حتى يتسنى لها استعادة عافيتها والقيام بانتخابات نزيهة. المجلس العسكري هو المنظم للعملية الانتقالية، والضامن لسلامة الشارع، والممثل للسودان في الخارج، وبالتالي على هذه القوى أن تثق برئيس المجلس حينما أكد أن لا أطماع لديهم في السلطة، وأن دورهم حراسة المرحلة الحالية والانتقالية حتى تستقر الأمور.
إن رأت «قوى الحرية والتغيير» أن تنفرد بالقرار والشارع فهي ستعيد أسوأ سيناريو في التجربة المصرية، وهو «اعتصام رابعة»، وهو ما لا نتمناه للأشقاء في السودان. لقد تدخل الإيرانيون في العراق وسوريا، وتدخل «الإخوان المسلمون» في ليبيا ومصر وتونس، وكلهم عطلوا الحياة المدنية الكريمة التي كانت محرك الشارع.
السودانيون أمامهم دروس كثيرة للعبرة والعظة، أهمها الدرس المصري. وخلال هذه الفترة الحساسة من مصلحة السودانيين أن يثقوا في جيشهم، ويتعاونوا معه، خصوصاً أنهم لا يختلفون على شخص رئيس المجلس العسكري، ولا يشككون في وطنيته ونزاهته.
&