&محمد سيد رصاص&&

جرت أول انتخابات للكنيست الإسرائيلي في 20 كانون الثاني (يناير) 1949. ومع انتخابات الكنيست الواحد والعشرين التي جرت في التاسع من نيسان (أبريل) الجاري، يكون اكتمل ما يقارب ثلاثة أرباع القرن على الانتخابات المتعاقبة للكنيست، والتي تعكس المسار العام للحياة السياسية الإسرائيلية، التي لم تخصص أي دراسات عربية لها، سواء في الصحافة أم من خلال الكتب، باستثناء كتيّبات متفرقة أصدرها مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية عن أحزاب منفردة (الماباي، المابام، حيروت) أو عن تيارات (اليسار العمالي).


نحاول في هذا المقال رصد هذا المسار العام، علماً أن كاتبه سبق أن حاول ذلك من قبل، من خلال جدول مرفق بنص تحليلي استعرض فيه نتائج انتخابات الكنيست في 50 عاماً نشر في جريدة «النهار» اللبنانية في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1999.

مع تأسيس دولة إسرائيل في الرابع عشر من أيار (مايو) 1948 (يوم جمعة)، انبثقت التيارات السياسية وفقاً للتوزيع الذي كانت عليه في «الييشوف» (التجمع اليهودي في فلسطين 1920-1948). كان هناك أولاً الاتجاه الصهيوني العمالي:1- حزب «الماباي» (حزب عمال أرض اسرائيل) ،2- (حزب المابام» (العمال الموحد)، الذي كان عند تأسيسه عام 1948 حصيلة اندماج حركات ثلاث هي: «هاشومير هاتسير» (الحارس الفتي)، وأحدوت هعفود (حركة العمل الموحد) المنشقة عن «الماباي»، قبل انشقاقها عن «المابام» عام 1954، واليساريون في حركة «بوعالي تسيون» (عمال صهيون).

عام 1935، أصبح زعيم «الماباي» دافيد بن غوريون، رئيساً للوكالة اليهودية، وهي الذراع التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية. وكان لهذا الاتجاه ذراع عسكرية هي «الهاغانا»، واتحاد عمالي هو «الهستدروت». وكان الاتجاه السياسي الرئيس الثاني في دولة اسرائيل الناشئة هو الاتجاه اليميني القومي، الذي شكّل استمراراً لانشقاق دافيد غابوتنسكي عن المنظمة الصهيونية العالمية عام 1935 وتأسيسه الاتجاه التحريفي (المراجع) في الحركة الصهيونية، والذي رفض تقارب بن غوريون مع البريطانيين واعتماد الأخير على «الرياح الدولية» لتسيير شراع سفينة «الدولة الموعودة»، حيث فضل غابوتنسكي، ثم من خلفه في رئاسة منظمة «الإرغون»، أي مناحيم بيغن، ومعهما «ليهي»، أي أبراهام شتيرن ثم إسحق شامير، العمل العسكري ضد البريطانيين لتحقيق الهدف. كما كانوا على خلاف مع بن غوريون منذ قبوله عام 1922 بـ«الكتاب الأبيض» البريطاني الذي فصل شرق الأردن عن فلسطين.

قبل انتخابات الكنيست الأولى عام 1948، اتحد «التحريفيون» وشكلوا حزب «حيروت» (الحرية) بزعامة مناحيم بيغن. وأتى الاتجاه الثالث في الحياة الإسرائيلية من الوسط في 1935 نتيجة الصراع بين بن غوريون وغابوتنسكي، وكان هذا الاتجاه، ذو المنحى الليبرالي بعيداً من العماليين اليساريين الصهيونيين ومن اليمين الصهيوني الذي كان معجباً بالفاشية الإيطالية، وسمي أفراده بـ «الصهيونيين العموميين» وسيطروا على جباية المال في الحركة الصهيونية، وكانت له امتدادات اجتماعية بين الصناعيين ورجال الأعمال وبين المثقفين الليبراليين. أما الاتجاه السياسي الرابع، فضم الأحزاب الدينية وهي «حزب مزراحي» الذي تبنى المزج بين الصهيونية والأرثوذكسية الدينية اليهودية ثم حزب «أغودات إسرائيل» الذي يرفض الصهيونية ولكنه قبل فكرة الدولة اليهودية منذ 1937 من دون أن يتبنى الصهيونية، وهو يشارك في انتخابات الكنيست من دون أن يشارك في الحكومة، ويهدف من خلال دعم الائتلاف الحكومي في الكنيست إلى تمرير مشاريع الأرثوذكسية الدينية في الحياة الإسرائيلية العامة وإلى منع علمنة الدولة.

استمرت سيطرة العماليين على الحكومة الاسرائيلية بأغلبية حكومية متحالفين مع الأحزاب الدينية حتى عام 1977 عندما فاز حزب «الليكود».

واتحد «الماباي» بزعامة ليفي إشكول و«أحدوت هعفودا» بزعامة ييغال آلون وإسرائيل غاليلي انتخابياً في قائمة واحدة عام 1965 وشكلا «هامعراخ» (التجمع العمالي) فيما انشق أنصار بن غوريون، الذي رأى نفسه مضطراً إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة في 1963 نتيجة تأثيرات «فضيحة لافون»، ليشكلوا حزب «رافي» (قائمة عمال إسرائيل) وكان معه موشيه دايان وشيمون بيريز، قبل أن يندمج «رافي» في 1968 مع «هامعراخ» ويشكلوا حزب «العمل». وكانت مقاعد «حيروت» في الكنيست بين 1949 و1961 تتراوح بين ثمانية وتسعة عشر مقعداً، فيما كانت مقاعد «العموميين»، ومعهم الجناح الآخر منهم المسمى «التقدميون» تتراوح بيم الأعوام 1949 و 1959 بين 12 و24 مقعداً. وعندما اندمج الجناحان في حزب «الأحرار الليبراليون» نال الحزب الجديد 17 مقعداً في كنيست 1961. وكانت مقاعد الأحزاب الدينية بين 1949 و 1969 تتراوح بين 15 و18 مقعداً.

وشكّل ائتلاف «الأحرار» مع «حيروت» عام 1965 وتشكيل كتلة «جاحال» ثم «الليكود» عام 1973 دلالة على اتجاه الوسط الإسرائيلي، وخاصة الليبراليين، في اتجاه اليمين. وهنا يلاحظ أن كل أحزاب الوسط تلاشت بعد قيامها سريعاً، ومنها «الحركة الديمقراطية للتغيير» (داش) بزعامة ييغال يادين التي فازت بخمسة عشر مقعداً عام 1977، و«حركة شينوي» (التغيير) بزعامة أمنون روبنشتاين وتومي لبيد، وحزب «الوسط» بزعامة اسحق مردخاي في التسعينات عندما برزت ظواهر جديدة منها نشوء تيار اليسار العلماني الذي مثلته حركة «ميريتس» الناتجة عن اندماج «المابام» مع حركات علمانية معادية لمحاولة هيمنة المتدينين (الحريديم)على الجوانب الاجتماعية والتشريعية. وفي الفترة ذاتهان برزت أيضاً ظاهرة الأحزاب الفئوية للمهاجرين الروس مثل حزب أفيغدور ليبرمان «إسرئيل بيتنا» والذي أصبح لاحقاً من أعمدة اليمين القومي الذي ازدادت قوته منذ التسعينات مع دعم مستمر من أحزاب الروس ومن الحزب الديني القومي (المفدال) الذي ورث «مزراحي» عام 1956. وتشكل بتأثير ذلك اندماج موقت لليبرمان مع «الليكود» ليعود بعدها إلى العمل المنفصل بتأثيرات متعددة نشأ (حزب البيت اليهودي) الذي فاز في انتخابات عام 2013 باثني عشر مقعداً ليكون مؤشراً على بداية التلاقي بين اليمين القومي واليمين الديني لتشكيل (الصهيونية الدينية).

في الانتخابات الأخيرة، فازت الأحزاب الدينية، أي «شاس» وهو حزب فئوي منذ الثمانينات يمثل المتدينين الشرقيين و«يهدوت هتوراه» الذي يمثل المتدينين الأصوليين من أصول غربية، بخمسة عشر مقعداً. كما فاز في الانتخابات الأخيرة اليمين القومي، أي «الليكود» واتحاد أحزاب اليمين و«إسرائيل بيتنا» بـ 46 مقعداً، وكتلة اليمين القومي مع الأحزاب الدينية، زائد حزب «كولانو» (كلنا معاً) بزعامة موشيه كحلون المنشق عن «الليكود» والتي تشكل الآن 65 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ120.

هنا، يلاحظ أن اليمين فاز في كل الانتخابات التي جرت منذ عام 2001 وأن حزب «العمل» في تلاشي، علماً أنه (العمل)، وعلى رغم خسارته انتخابات 1977 و1981، عاد وتعادل مع «الليكود» في 1984، ثم فاز في انتخابات الأعوام 1992 و1999. وبالتالي، يعيش «العمل» حالة موت سريري منذ 20 عاماً، علماً أن حركة «ميريتس» ليست في حالة أفضل. تجدر الإشارة إلى أن حركة «كاحول لافان» (أزرق وأبيض) احتلت المركز الثاني بعد «الليكود» في الانتخابات الأخير، ونالت (35 مقعداً) متخلفة بمقعد واحد عنه (الليكود). الحركة المذكورة تأسست في شباط (فبراير) الماضي، ويتزعمها ثلاثة رؤساء أركان سابقين للجيش الإسرائيلي هم: بيني غانتس وموشيه يعلون وغابي اشكنازي ومعهم مع زعيم حركة «يش عتيد» (هناك مستقبل) يائير لابيد، التي برزت في انتخابات 2013 إثر نيلها تسعة عشر مقعداً، تراجعت إلى 11 مقعداً في انتخابات 2015. وتفادى لابيد التلاشي، وهو المصير المتوقع لأحزاب الوسط، من خلال التحالف مع جنرالات من اتجاه يميني إنما معارضون لنتانياهو في سياساته الاجتماعية وفساده ويشككون في قدرته على إدارة القضايا الأمنية.