&عدنان أبوزيد

المجتمع العراقي في حاجة الى لائحة للذوق العام، ترسم هوية سلوكية وطنية متميزة، وتؤسّس لطراز بصري &وسمعي ، تجعل المجتمع في جزئه الأكبر محكوما بمرجعية اعتبارية، تحافظ على القيم والتقاليد الإيجابية، وتهذّب النسق العام، وتنظّم الانفتاح الثقافي والاجتماعي والاقتصادي على العالم.

المجتمعات الوثيقة والصلبة، وشعوب العالم المتطورة، نجحت بشكل واضح في مجال ترصين السلوك الاجتماعي، وجعل الذائقة الفردية أسيرة الهوية الجمعية.

في اليابان، تستطيع ان تميّز الياباني من طريقة أداءه التحية المستمدة من ارث البلاد، والممزوجة بملامح العصر.

وفي هولندا، يحرص الهولنديون على تبادل الزهور في المناسبات الحزينة والسعيدة، فضلا عن ان هناك أسلوب

متناظر لأشكال الحدائق العامة، وطريقة قصّ الأشجار، وممرات المشي. ولا يزال الإنكليزي، يرتدي القبعة والجاكيت التقليدي في الحفلات.

في ألمانيا، تتجانس الشوارع في طريقة التخطيط، وفي شكل الأرصفة، وتصاميم الممرات.

والخلاصة ان هذه الشعوب، رسّخت ذائقتها الجمعية، التي أصبحت هوية وطنية، تُميّز هذا الشعب عن ذاك، فضلا

عن انها تلفظ ما هو نشاز من سلوكيات الافراد الخاطئة، فلا يصح الا الصحيح بسبب البيئة الصحية التي تنفض تلقائيا،

الشاذ والغريب.

بسبب ذلك، لا ترى في هذه الدول المتقدمة، قناني المياه تلعب بها الرياح في الطرقات. ومن دون إجراءات قسرية، تتناسق واجهات المتاجر، والابنية، والاضواء، في مشهد سمفوني رائع.

يلمس الزائر لهذه الشعوب، تناغما واضحاً في البيئة السمعية، والبصرية، وفي طريقة اختيار الملبس، وفي المطاعم،

وهندام سواق الباصات والقطارات والسيارات، وطرائق تنظيم المزارع، وتجانس اشكال الطبيعة العامة، وفي اتيكيت تقديم الطعام، فضلا عن النظافة، والغذاء الصحي، حيث القدر الكبير من التماثل والتآلف يمنح الهوية المميزة لكل شعب.

المجتمع العراقي، يعاني اليوم، من فقدان هوية جمعية للذوق العام، فضلا عن انها متدنية في الأصل، وأضحت السلوكيات الفردية حتى الناشزة منها، تتصدّر المشهد، كما ان هناك انقساما اجتماعيا واضحا في قضية الذوق العام، والفوضى التي ترسم المشهد، بسبب غياب الوعي، وضعف التربية الاجتماعية والجمالية والسلوكية في المدارس.

الأمثلة على ذلك، واضحة ومرصودة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حفلات التخرج الغريبة في الجامعات، التي تعبّر عن انهيار واضح في طرائق التعبير الجمالي والتربوي، فيما لازالت الجامعات الغربية على شدة انفتاحها الثقافي، تقدس

القيم والسلوك الحضاري حتى في ساعات المتعة والاحتفالات.

البنايات في بغداد والمدن الأخرى، تفتقد الى الهوية المعمارية الوطنية التي تجمعها، فضلا عن عشوائية التصميم، وتلوين الواجهات وطلائها وتغطيتها.

الشوارع في العراق، فضلا عن الأرصفة، لا تدل على ذائقة مشتركة، تجمع المدن والمناطق في طراز معماري واحد.

الشباب العراقي، مرتبك في مظهره، في أزياء لا يجمعها مشترك، ولا تعكس تجانسا اجتماعيا.

ربما يجهل البعض، ان في دول اوربا المتطورة، تتدخل الشرطة في فرض هيبة الذوق العام، فمن يجرأ على عرض منتجات متجره على غير لوائح الأنظمة الصارمة التي كانت الى جانب التربية الصحيحة، سببا رئيسا في تقدم الأمم والشعوب، بعد أن صقلت سلوكيات الافراد باتجاه الهدف الجمالي، والبيئي.

يتدخّل القانون لفرض الذائقة الوطنية على شركات الاعمار، فلن تجد رصيفا في هولندا مثلا، يخالف نسق الأرصفة في المدن الأخرى، مثلما لا تجد سيارة اجرة واحدة تنافر في مظهرها، الشكل "الرسمي" الذي حدده "الذوق الرفيع" قبل القانون.

آن الأوان لرسم خارطة الذوق العام، عبر وسائل الاعلام وتفعيل القوانين التي تفرض السلوكيات والقيم التي

تجعل الفرد يسير على "تمبو" قسري، في السلوك والمظهر، يصنع هوية واضحة المعالم، غير عائمة، تتعمق فيها الأدوار الاجتماعية ويتعزز بها العيش المشترك.