& وائل مهدي

&في شهر يونيو (حزيران) المقبل، سوف تعقد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) اجتماعها الوزاري رقم 176 في تاريخ المنظمة التي تأسست في عام 1960. ولكل وزير نفط أو أمين عام للمنظمة اجتماعات مفضلة واجتماعات سيئة تعلق في الذاكرة. وتوجهت بالسؤال عنها لشخصيتين، وهما وزير البترول السعودي السابق علي النعيمي (أبو رامي)؛ نظراً لأنه أمضى 21 عاماً في المنصب. والشخصية الأخرى كانت لعبد الله البدري، الذي كان وزيراً للنفط في ليبيا في التسعينات ومن ثم أصبح أميناً عاماً للمنظمة في عام 2007 وحتى عام 2016، وكان من بين أطول الأمناء في المنصب؛ نظراً للظروف الخاصة التي دعت لذلك، حيث كان يتم التجديد له بصورة استثنائية عاماً تلو الآخر بعد انتهاء فترته في 2014.


لقد مرت سيرة النعيمي في «أوبك» بمراحل كثيرة وأزمات كثيرة، ولا أتصور أن هناك وزيراً لم يمر بتحديات خلال منصبه لأن السوق النفطية مليئة بالأحداث الكارثية وتذبذبات لا تنتهي لأسعار النفط.
ولقد كانت أول أزمة واجهته هي أزمة عام 1997، عندما انهارت اقتصادات آسيا وضعف الطلب وهبط سعر النفط إلى مستويات منخفضة جداً في 1998. لقد اتخذت «أوبك» قراراً خاطئاً في جاكرتا قبيل الآزمة عندما زادت الإنتاج توقعاً من وزرائها بأن الطلب سينمو في 1998.
وعند سؤالي أمين عام «أوبك» السابق البدري عن أسوأ اجتماع لـ«أوبك» وأفضل اجتماع، قال لي إن اجتماع جاكرتا كان الأسوأ واجتماع وهران في 2008 كان الأفضل؛ لأن «أوبك» كانت على قلب رجل واحد يومها، و«كان بالإمكان الإحساس بهذا الشيء منذ دخول غرفة الاجتماعات»، على حد تعبيره.
بالنسبة للنعيمي، فعندما سألته السؤال نفسه، فإن أفضل اجتماع حضره لـ«أوبك» كان الاجتماع الذي احتضنته السفارة الجزائرية في لاهاي في هولندا في الثاني عشر من مارس (آذار) عام 1999، ففي ذلك الوقت كانت دول «أوبك» تعاني بشدة من انخفاض أسعار النفط، والتي هبطت تحت 10 دولارات في أواخر عام 1998؛ نظراً للأزمة المالية الآسيوية.


وبدأت قصة هذا الاجتماع في عام 1998 عندما اتفقت «أوبك» بقيادة النعيمي على خفض إنتاجها بنحو 2.6 مليون برميل يومياً، لكن مستوى الالتزام بين دول «أوبك» لم يكن قوياً، ولهذا لم ترتفع الأسعار. وبعد جولات مكوكية بين مدريد وكيب تاون وطهران وأوسلو ومدن أخرى، تمكن النعيمي من إقناع الجميع في «أوبك» وخارجها بضرورة خفض الإنتاج مرة أخرى، والالتزام بالخفض المتفق عليه من دون أي غش من أي منتج.
وفي يوم العاشر من مارس وخلال حفل افتتاح حقل شيبة الذي حضره الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد، أعلن النعيمي أن المنتجين في «أوبك» وخارجها سيتفقون على خفض جديد للإنتاج قبل الاجتماع القادم للمنظمة والذي سينعقد في 23 مارس.
والتقى النعيمي يومها في شيبة بوزراء النفط الخليجيين وأصدروا بياناً معروفاً باسم «بيان شيبة»، الذي دعموا فيه تخفيض الدول في «أوبك» وخارجها الإنتاج لخفض المخزون النفطي ورفع الأسعار.
وبعدها انطلق النعيمي إلى لاهاي، وفي 12 مارس اتفق الوزراء على دعم تخفيض إنتاج النفط بأكثر من مليوني برميل يومياً إضافية، كما عبّروا عن دعمهم «بيان شيبة». وصرح النعيمي للصحافيين بأن مدى الالتزام بهذه الاتفاقية عال جداً من قبل الدول في «أوبك» وخارجها.
وبعد ذلك بسنوات طويلة، تحدث النعيمي عن هذا الاتفاق قائلاً: كان ذلك الاجتماع هو أهم اجتماع في نظري. وبالنسبة لدول «أوبك» كان الالتزام عالياً، وبنينا قاعدة متينة من الثقة.
أما الأسوأ بالنسبة له، فهو لا يستطيع نسيان اجتماع صيف 2011، عندما خرج النعيمي قائلاً: «هذا من أسوأ الاجتماعات التي حضرناها حتى الآن».


والسبب في ذلك هو أن الوزير الإيراني محمد علي عبادي الذي حضر الاجتماع وترأسه بصفة إيران رئيسة المؤتمر الوزاري تلك السنة كان غير ملم بالقطاع ولا يجيد الحديث بالإنجليزية، إذ كان رئيساً للجنة الوطنية الأولمبية لإيران وتم تكليفه وزيرَ نفطٍ لحضور الاجتماع.
وبحسب مصادر حضرت الاجتماع المغلق، فإن الوزراء وخصوصاً النعيمي تضايقوا؛ لأن النعيمي كان يطالب وزراء «أوبك» برفع سقف الإنتاج إلى 30.3 مليون برميل يومياً، في حين كان الوزير الإيراني يحاول بشتى الطرق ألا يخرج الجميع بأي نتيجة ويبقى السقف كما هو.
ونظراً للفوضى التي عمّت الاجتماع، خرج الوزراء منه من دون الاتفاق على بيان ختامي، وكان الاجتماع هو الوحيد الذي فشل فيه الوزراء في الخروج ببيان ختامي وكأنه حدث في فجوة من الزمن أو سقط سهواً من ذاكرة اجتماعات «أوبك».
وبعد خروجه من الاجتماع، أوضح النعيمي أن دول الخليج الأربع اقترحت رفع سقف بواقع 1.5 مليون برميل، لكن إيران وفنزويلا وليبيا والجزائر والإكوادور وأنغولا عارضت المقترح. وهذا يبين حدة الاجتماع.
لقد أمضى النعيمي 60 عاماً في قطاع النفط وعقدين في «أوبك» أثر فيها في المنظمة وتأثر بها كذلك. والنعيمي هو الوزير السعودي الوحيد الذي أمضى عقدين في منصبه إلى جانب الوزير الأسبق أحمد زكي يماني... وكلاهما من أساطير «أوبك».

&