&حسن حنفي


يمثل الاجتهاد صلب الإسلام وعموده الفقري، وهو استئناف للرسالات السابقة. والوحي وحدة واحدة، رسالة واحدة منذ آدم عليه السلام حتى محمد صلى الله عليه وسلم، مروراً بأولي العزم من الرسل الآخرين، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى. لذلك تخطئ بعض الأقوال المأثورة، مثل «لا اجتهاد مع النص»، لأن الاجتهاد يكون دائماً مع النص، بغية استنباط العلة من الأصل، ودون نص بغية استقرائها في الفرع. هذا الشعور يوقف الزمن عن التطور، ويقضي على حكمة النسخ، وظهور مجتهد على رأس كل مئة سنة يجدد للأمة دينها.


النص دافع على الاجتهاد وليس مانعاً منه، لأن النص (غير الوحي) اجتهاد مدون في لحظة زمنية. والاجتهاد جهد مفتوح متجدد في كل اللحظات. إنكار الاجتهاد باسم النص أو إنكار النص ذاته وإثبات الاجتهاد ضد النص هو أيضاً إنكار للاجتهاد ذاته. فالاجتهاد مع النص، والنص مع الاجتهاد.. لذا قال الفقهاء بتطابق النقل والعقل وعدم التعارض بينهما، وبموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. وهو موقف المعتزلة أيضاً.


لم يتجاوز الاجتهاد حتى الآن بعض الموضوعات الاقتصادية، مثل فوائد البنوك وصناديق التوفير، وهل هي ربا أم لا؟ وأُنشئت البنوك الإسلامية غير الربوية لاتقاء هذه الشبهة، على الرغم من فتوى محمد عبده بإجازة فوائد صندوق التوفير لأنها تعادل هبوط سعر العملة وزيادة الأسعار وضعف القوة الشرائية المتزايد. كما لم تتجاوز بعض الاجتهادات في قانون الأحوال الشخصية، مثل تعدد الزوجات وتقييده بموافقة الزوجة الأولى، أو طلب الطلاق لما يقع عليها من ضرر، أو يكون ذلك بموافقة القاضي حتى يقر شرعية السبب أو بمنعه على الإطلاق، اعتماداً على النص بتعليق الحكم على شرط مستحيل وهو العدل بين الأزواج. ومازال النقاش دائراً حول النقاب، أهو عبادة أم عادة، واجب أم ندب؟ وهناك مسائل أخرى معظمها تتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة مثل السلام باليد، الخلوة، العمل العام، قيادة السيارة، السفر دون محرم.. إلخ. وكلما صغر الموضوع تعددت الاجتهادات، وكلما كبر قلت. فالفقهاء يهربون مما تعم به البلوى، ويتنافسون في الأمور الشخصية. وهم في الغالب فقهاء لصغائر الموضوعات والقضايا. وإذا ما تعرض الاجتهاد لقضايا كبرى مثل الحرب والسلم، الرأسمالية والاشتراكية.. فإنه يصبح أداة لتبرير قرارات وسياسات بعينها. فبعض المؤسسات الدينية جزء من السلطة الرسمية في بلدانها. وحين أرادت السلطة بعد هزيمة يونيو 1967 اتباع سياسة مؤتمر الخرطوم، أي اللاءات العربية الثلاث (لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل)، صدرت فتوى من رجال الدين بأنه لا يجوز الصلح مع بني إسرائيل طبقاً لآيات ونصوص قطعية في التحذير من ذلك. لكن إذا تغيرت القيادة السياسية وجاءت أخرى تذهب إلى إسرائيل وتفاوضها وتصالحها وتعترف بها، صدرت فتوى أخرى، فأي علاقة معقدة بين النصوص والاجتهاد في تأويلها والانتقاء منها؟!&
&

&

&