&محمد حسين أبوالحسن

تسير تركيا بالشرق الأوسط إلى حافة الهاوية، تسهم فى تحويلها إلى بحيرة دماء، بصماتها ظاهرة على مسرح المنطقة، فى سوريا وليبيا والسودان وقطر.. بينما يؤجج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان المشاعر القومية، وهو يطارد حلمه فى أن يصبح سلطانا عثمانيا، أو مايسترو يتولى قيادة الاوركسترا الدموية بالمنطقة، ويهيمن على شعوبها، ما يعنى أن لعبة متاهة القوة بين بلدانها، ستستمر لفترة غير قصيرة، كل ذلك على وقع أزمات داخلية حادة فى تركيا، ارتفاع مؤشرات الاستبداد، أزمة عمدة اسطنبول، مع تراجع اقتصادى وانهيار الليرة، أزمات تتراكم قد تضع نهاية لحكم حزب العدالة والتنمية، ومن ثم يحاول أردوغان الهرب إلى الأمام بافتعال الأزمات.

أحدث خطواته التصعيدية إعلانه التنقيب عن الغاز بالبحر المتوسط، غرب قبرص، دون أى سند، سال لعاب أردوغان للثروات الكامنة بأعماق البحر، يريد سرقة ما يملكه اللاعبون الآخرون، فى اعتداء صارخ على حقوقهم، مما ينذر بزعزعة الاستقرار الهش ويخل بتوازنات القوى فى المنطقة. ثم أدلى وزير الدفاع التركى خلوصى أكار بتصريح غريب، أكد فيه تصميم بلاده على حماية حقوقها فى شرق المتوسط وبحر إيجه، قائلا: إن تركيا لن تغض الطرف حيال «اغتصاب» حقوقها فى المنطقة. بل إن الرئيس التركى طالب حلف الناتو بتعضيد موقفه، بعد توالى البيانات الرافضة والمفندة لتوجهاته، من جانب قبرص واليونان ومن خلفهما الاتحاد الأوروبى، فى حين حذرت الخارجية المصرية من انعكاس أى إجراءات أحادية على الأمن والاستقرار شرق المتوسط.

تتصف السياسة الخارجية التركية، بقيادة أردوغان الإخوانى، بطابع براجماتى، وفق حسابات قصيرة الأمد، مراهنة على دورها الوظيفى فى الاستراتيجية الغربية، بالنظر لعضويتها فى الناتو، شهدت تلك السياسة انتكاسات مزلزلة، اتبعت نهج تصفير المشكلات مع دول الجوار وانتهت بحالة أقرب إلى العداء أو الحرب مع كل الجيران تقريبا، أبرز معززات الفشل تمثلت فى انكشاف أطماع أنقرة ودعمها حركات الإسلام السياسى التى تدين لها بالولاء فى البلدان العربية.

اليوم يضيف أردوغان بمنتهى الصلف نزاعا جديدا يهدد بإشعال شرق المتوسط، إنه عصر التكالب على الغاز، بعد النفط، فقد أكدت دراسات أمريكية أن المنطقة تعوم على مكامن هائلة من الغاز والنفط، وتزداد الأهمية الجيوبوليتيكية للمنطقة إذا وضعناها فى الإطار الأوسع، أى منطقة الشرق الأوسط التى تحوز 47% من احتياطى النفط و41% من احتياطى الغاز العالمى، وتعد قلب أوراسيا، نقطة الوصل والتقاطع بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، أما مضايق السويس وباب المندب والبوسفور وجبل طارق فهى أهم شرايين التجارة العالمية، وفى الوقت نفسه تدوى طبول الحرب فى المنطقة الحيوية التى تعج بنزاعات جيوسياسية فى فلسطين وسوريا وليبيا واليمن والسودان والعراق وغيرها، ولعل آخرها التصعيد الأمريكى-الإيرانى، مما يوقف المنطقة برمتها على أبواب الجحيم.

إن الأطماع التركية ليست وليدة المصادفة، إنها قديمة ومخططة بعناية، وما الحرب الطاحنة فى سوريا سوى إحدى المحاولات التركية للسيطرة على ثروات الغاز وغيرها بشرق المتوسط، حتى لو كان الثمن حروبا مدمرة، فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تحوّل الصراع القبرصى إلى صداع مزمن فى رأس أوروبا وتركيا واليونان، يشتد حينا ويتوارى حينا آخر، لكن حرب الموارد الجديدة وطموح تركيا فى أن تصبح لاعبا محوريا فى أسواق الطاقة، يهدد بإشعال حقول الغاز، فقد حركت أنقرة أساطيلها وقواتها وسفن التنقيب، بالمنطقة، ولا ننس أنها تحتفظ بقوة قوامها30 ألف جندى فى الجزء الذى تحتله من قبرص، منذ عام 1974.

إن الوجود التركى المتعاظم فى شرق المتوسط لا يرتبط فقط بالخلاف مع قبرص، بل يتوافق مع سعيها الحثيث للتغلب على فقرها فى مصادر الطاقة التقليدية، ورغبتها بتقديم نفسها لاعبا محوريا فى مجال الطاقة إقليميا وعالميا، وهذا ما يفك لغز الانخراط التركى فى لعبة الصراع على الغاز بالمنطقة، لكن المساعى التركية لا تصطدم بقبرص وحدها، بل تضعها فى مواجهة مع اليونان ومصر وليبيا وسوريا ولبنان، وكذلك القوى الكبرى الطامحة لتأمين مزيد من الحصص من كعكة الطاقة المستقبلية، خاصة الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وربما روسيا، لتضيف تركيا المزيد من الزحام إلى رقعة شطرنج مزدحمة بالفعل شرق المتوسط، وتهدد بتفجير الشرق الأوسط وإحراق أطراف أوروبا، لأنه فى قوانين الفيزياء كما الصراع، لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد فى الاتجاه!.

&