&عبدالله بن بخيت

&

&كنت أتمنى لو أن الأستاذ عبدالله المديفر لم يكن يقاطع ضيفه. كثرة المقاطعات أفقدت المشاهد معلومات كبيرة. في كل مرة يدخل الضيف في تفصيل (روائي) مهم أو تحليل لشخصية أو مرحلة يقفز الأستاذ عبدالله إلى سؤال جديد. لعل أهمية الضيف أوسع من الوقت المتاح للمقابلة فاضطر المديفر أن يتقافز طمعاً في ملاحقة المخزون الذي يتفتح أمامه. كمن يفتح أبواباً سرية في مغارة معتمة. كان حواراً من أهم الحوارات عن فترة عشناها واختلفنا حولها. قراءة لما وراء الصخب الدعوي وما ظنه الناس دعوة إلى الله والعقيدة الصافية.

شكل وهدوء الفقعسي وثقته في نفسه تذكرني بتطور مفهوم السينما الأميركية. مع بداية الإنتاج السينمائي كان المنتجون يسندون الشخصية الخيرة في النص للرجل الوسيم ويسندون دور الشرير إلى شخص قبيح المنظر. لكن الحياة المعاشة لم تكن توافقهم دائماً على ذلك. كانت أخبار الصحف تكشف عن شيء آخر. الشكل الخارجي لا قيمة له في تحديد طبيعة الإنسان بل أن الشكل الخارجي غرار وخطير. كثير من المجرمين والسيكوباثيين كانوا على قدر من الوسامة والإيحاء بالطيبة والثقة. لا شك أن شخصية الفقعسي شخصية سينمائية. لو التقيته في الشارع لما أحالك منظره إلى طبيعته وتوجهاته أو أي شيء يوحي بالعنف.

لو أن المديفر ترك الرجل يمضي في كل سردية حتى ينهيها كان يمكن تكون هذه المقابلة شهادة كبرى على التاريخ الذي كان يتشكل خلف كواليس الحركات الدينية المختلفة.

بدأ الرجل يحلل شخصية بن لادن وتوقف. بدأ الرجل يطرح وجهة نظره في الفرق النوعي بين داعش والقاعدة وتوقف وبدأ أيضاً يقدم لنا العلاقات بين أعضاء التنظيم وطبائع شخصياته بل أخذ يطرح واحدة من رحلتها المتعبة، ولكن المديفر لم يسمح له أن يتم هذه القصص الخطيرة. انتهت المقابلة كما لو أنها مجرد عناوين لقصص ستأتي.

شخصية الفقعسي لا تشبه شخصية الملتزم المحتسب التي كنا نراها تجوب الشوارع. ثمة فرق كبير. لا يظهر عليه البؤس أو المسكنة أو مظاهر الضعف والانكسار. يتحدث عن المصائر والتفجيرات والمؤامرات والهروب والتخفي وطيف ابتسامة يطل من محياه كأنما يتحدث عن مشروعات عائلية متواضعة.

بعد هذه المقابلة ستتأكد أن رجال الأمن السعودي كانوا في مواجهة مع عالم سري وخطير. مخاطر لا حدود لها. صراع على مستوى العالم مع رجال صعبي المراس يملكون العزم والتصميم على إنجاز مهامهم الكونية التي يؤمنون بها. ثمة فرق عظيم بين صراع المباحث وصراع الشرطة. فرق بين مطاردة مجرم طامع في مكاسب دنيوية وبين مجرم يظن أنه على حق وفي صف الله بل يرى الموت غنيمة. نصر الأمن السعودي على هؤلاء نصر تاريخي لا يشبهه أي نصر آخر.