&عماد العباد

&تمر اليوم الذكرى السنوية الثانية لرحيل أستاذنا تركي السديري، لم تخفف الأيام كعادتها مرارة الفقد، ما زال رحيله موجعا وغيابه لا يعوض.

في شهر رمضان كان لنا معه ذكرى سنوية جميلة، حيث كان الأستاذ يخصص يوما يدعو فيه موظفي الجريدة إلى منزله لتناول طعام الإفطار، ما زالت صورته حاضرة في ذاكرتي، يقف أمام الباب بطاقية بيضاء تغطي رأسه، متخففا من الزي الرسمي، وجهه يتهلل وهو يرحب بالزملاء في بيته، يقضي جل الوقت متنقلا بين الضيوف يمازحهم ويوزع تعليقاته الظريفة، كان لا يجلس على المائدة، تجده واقفا يملأ صحن هذا ويصر على ذاك بأن يجرب أحد الأطباق التي يحبها.

كان الأستاذ يعلم أن العمل الصحافي، وخصوصا في جريدة بحجم "الرياض" محرقة نفسية، لذا حرص كثيرا على أن يجعل بيئة الصحيفة، أسرية حميمة، يحتوي الموظفين ويعاملهم كأبنائه، ورغم ما عرف عنه من الصرامة والجدية في العمل، إلا أنه كان في غاية اللطف والإنسانية، يتلمس حاجات الناس ويحرص على قضائها. كان يحدث مثلا أن يمر بعض الموظفين بظروف صعبة، فيطلبون سلفة من الإدارة وترفض؛ لأن الموظف استوفى السقف الأعلى قانونيا، فيلجأ بخطابه إلى مكتب رئيس التحرير، ينظر الأستاذ فيه ويكتب عبارته المعتادة، "اعتمدوا صرف المبلغ وخصمه من مرتبي الشخصي". ذكر لي مرة مدير مكتبه الصديق محمد الحسيان، أن الأستاذ تركي السديري في أحد الشهور استهلك 80 في المئة من مرتبه في مساعدات إنسانية وتفريج كربات.

كنا نرى الأستاذ كبيرا جدا، كبيرا بحجم الأب الذي يحمل عنا الأوزان التي لا نطيق حملها، ويحجب عنا مفاجآت الحياة المخيفة، كان بالفعل مصدرا للأمان. عندما يخطئ أحدنا ويتسبب في أزمة مع جهة خارج الجريدة، يذهب ليختبئ خلفه، يعلم أنه سيوبخه على الخطأ، لكن يعلم أيضا أنه سيحميه، هذا الشعور بقوة الرجل وعظمته لم يكن حكرا على العاملين في الجريدة، بل كان بعض المسؤولين الكبار يستنجدون به لحل أزماتهم، ما زلت أتذكر عندما شاهدت الأستاذ يقف في ردهة الدور الثاني في انتظار شخصية مهمة، فُتح باب المصعد وإذا بالدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - يخرج منه، دخلا إلى المكتب، وبعد فترة وجيزة ودع ضيفه وأصدر توجيها بضرورة دعم وزارة العمل خصوصا مع المقاومة الشرسة التي كان الوزير يلقاها من تجار التأشيرات آنذاك. كان مؤمنا بتوجه د. غازي الإصلاحي في وزارة العمل، لذا وجد أن من المهم أن تقوم الصحيفة بدورها وأن تدعمه في تلك العملية الإصلاحية.

وأخيرا، اليوم وبعد أن مر عامان على رحيله، ما زالت ذكرى الأستاذ حاضرة بكل عبقها، ورغم أننا نفتقد حضوره الأبوي وروحه الطيبة ونبله وخفة ظله، إلا أن عزاءنا الوحيد أنه الآن في مكان أجمل بإذن الله، فشهود الله على الأرض ما زالوا يذكرونه بكل خير.