& عبدالحق عزوزي

&رغم أن دولة بنين تجنبت لفترة طويلة الاضطرابات، التي تشهدها مالي وبوركينا فاسو، فقد أصبحت اليوم عرضة لإرهاب المتطرفين، الذين أصبح بوسعهم توسيع عملياتهم إلى المناطق الصحراوية غير المأهولة جنوباً. وأصبح هذا جلياً عندما أعلنت الرئاسة الفرنسية في الأيام الماضية تحرير رهائن في شمال بوركينا فاسو، خلال عملية تم فيها تحرير سائحين فرنسيين (فقد أثرهما في حديقة بندجاري الوطنية في بنين في الأول من مايو الجاري) أثناء إجازة سياحية في منطقة لا تنصح وزارة الخارجية الفرنسية بزيارتها. وتم تحرير السائحين ليل الخميس، الجمعة، مع كورية جنوبية وأميركية كانتا محتجزتين منذ 28 يوماً. كما قتل جنديان فرنسيان خلال العملية العسكرية التي نفذت ليلاً لتحرير الرهائن.&


وللتذكير، فإن فرنسا تنشر 4.500 من قواتها في إطار عملية «برخان» في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد لمساعدة القوات المحلية في محاربة الجهاديين. وقادت قوات النخبة في البحرية الفرنسية، التي تم نشرها في منطقة الساحل في نهاية مارس الفائت، عملية تحرير الرهائن الأربعة. وتلقت الفرقة مساعدات استخباراتية، ودعماً من بوركينا فاسو وبنين والولايات المتحدة. وقتل 24 جندياً فرنسياً في هذه المنطقة المضطربة منذ عام 2013.
كما شن متطرفون مؤخراً في مالي هجوماً على معسكر للجيش بوسط بلدة «غيري» الواقعة قرب الحدود مع موريتانيا مما أدى إلى مقتل العديد من الجنود الماليين. وأعلنت السلطات أن المهاجمين وصلوا إلى المعسكر، عن طريق غابة واغادو، مستخدمين دراجات نارية وشاحنات صغيرة، وأحرقوا عدداً من الآليات واستولوا على أخرى.&
ومنذ عام 2015، امتدت هجمات المسلحين إلى وسط مالي وجنوبها، وحتى إلى دول الجوار، خصوصاً بوركينا فاسو والنيجر. وتضاف هذه الهجمات إلى نزاعات داخلية أوقعت أكثر من 500 قتيل في صفوف المدنيين في وسط مالي، خلال عام 2018 وفقاً للأمم المتحدة.
أسرد هذه الأحداث للتأكيد على أن تواجد العديد من الإرهابيين، في بعض الدول الأفريقية أصبح حقيقة لا غبار عليها، إذ الدولة هناك ضعيفة والمؤسسة الأمنية غير قادرة على حماية الحدود بالقوة الكافية، ولا على محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات.&
وإذا كان التدين الصوفي الشعبي هو الحاضر منذ القدم في تلكم المجتمعات، لعوامل تاريخية، فإن الاتجاهات المحافظة المتزمتة بدأت تطرق أبواب تلك الدول بطريقة مثيرة، إلى أن وصلتها الجماعات والحركات الإرهابية القادمة من خارج الحدود، وهي اتجاهات لم تعهدها هذه الدول سابقاً.&
ولا يخفى على أي متتبع للأنظمة السياسية في هذه المنطقة الجغرافية الحساسة الممتدة بين ليبيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فوسو، أنها أنظمة في معظمها هشة، من حيث التمثيل السياسي، ومن حيث الإمكانيات الاقتصادية، ومن حيث الحضور الأمني والعسكري الفعال داخل المدن وعلى الحدود.. ما يجعل بلدانها فريسة للتنظيمات الإرهابية، التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب المجندين وتنفيذ العمليات.&


وهناك ميزة تنعم بها هذه التنظيمات في هذه المناطق الشاسعة، خلافاً لمثيلاتها في سوريا والعراق، وهي كونها تستفيد من عائدات التجارة في المخدرات والأسلحة والبشر.. في إطار علاقات أخطبوطية مع منظمات الجريمة الدولية، ومع قبائل وإثنيات محلية مختلفة. وتدر هذه التجارة على التنظيمات الإرهابية (والتي تدعي أنها على نهج الملة الصحيحة وذات المأكل والمطعم والمشرب الحلال)، حسب مكتب الأمم المتحدة لشؤون المخدرات والجريمة، نحو أربعمائة مليون دولار سنوياً، لتصبح تلك الدول منطلقاً آمناً للمخدرات إلى أوروبا، ولتباع الأسلحة التي تأتي بحراً إلى بنين وتوغو في كل دول المنطقة. هذا الوضع المؤلم الذي تعاني منه هذه الدول يبدو مؤهلاً للاستمرار بسبب وجود هذه التنظيمات الإرهابية، ما كان ليتقوى لولا غياب الدولة في العديد من تلك المناطق.&
آخر الكلام: تقوية البلدان الأفريقية سياسياً وديمقراطياً واقتصادياً وأمنياً هو الحل، فبدون وعي استراتيجي وسياسة داعمة من الدول المجاورة والدول الغربية والدول الصديقة، ستتوالد الحركات المتشددة في هذه البلدان الأفريقية، وستأتي على الأخضر واليابس، وستعيش المنطقة بأكملها اضطراباً لا يمكن أن تحمد عقباه.

&

&