&نوف الموسى&&

تأسيس مرجعية بحثية وعلمية تدرس تفاعل «البيئات الثقافية» مع الاكتشافات العلمية، إذا ما تبنيه، إحدى المؤسسات الثقافية المحلية النشطة، في دولة الإمارات، سيثري الحراك الإبداعي، ويساهم في إحداث نقلات نوعية على مستوى الوعي العام، فمثلاً بعد نشر صور «الثقب الأسود» مؤخراً، كنّا نتطلع إلى جلسات وندوات تناقش أعمالاً روائية عالمية، تطرقت للبحث في فلسفة «الثقب الأسود»، وأبعاده على حياتنا اليومية.&
والسؤال الملح، في الوقت الراهن، كيف ستُلهم الفيزياء الكمية «نموذجاً»، الإبداع الشبابي، فالكاتب والفنان التشكيلي والموسيقي والمسرحي والشاعر وغيرهم، جميعهم يحتاجون إلى إدراك التكوين الوجودي للكون والحياة، مستخدمين أجسادهم ممرات للدخول في حقل «التجريب». وربما برهنت إسهامات الإنسان الإبداعية تاريخياً النظريات العلمية، مؤكدة أهمية الانفكاك من قيد «الحواس» والارتحال إلى ما هو أبعد، لاكتشاف «طاقة» ولادة الحياة التي تتشكل من خلالها الذرة.&
في اللحظة التي قرأت فيها مقولة لطبيب الأعصاب البريطاني الشهير جون إيكليس، يقول فيها: «أريد إحاطتكم بمعلومةٍ مفادها أنه لا توجد ألوان أو أصوات في العالم الطبيعي، أو أي شيء من هذا القبيل؛ كما لا توجد فيه أية صفات مادية مميزة أو عيّنات أو جمال أو رائحة..» باختصار، لا صحة تسترعي الانتباه لأي من الحقائق الموضوعية التي نبني عليها واقعنا عادة»، وذلك في كتاب «جسدٌ لا يَشيخ عقلٌ يتخطّى الزمن ـ البديل الكمّي للشيخوخة»، للدكتور والكاتب المعروف بإسهاماته في مجال علم الأعصاب والمعالجة الروحية والصحية ديباك شوبرا، تساءلت عن أبعاد رغبته في أن يعطل فرضيتنا القديمة حول ما نطلق عليه «الواقع»، موضحاً أنه رغم كمية الهلع التي تثيرها تلك المقولات، إلا أنها تهدينا انعتاقاً يكاد لا يصدق، يتزامن معه الوعي بقدرتنا على تغير عالمنا بما فيه أجسادنا، وذلك عبر تغير إدراكنا الحسيّ.&


يطلعنا شوبرا، كيف استطاع أينشتاين ورفاقه، إعادة تجميع الزمان والمكان في علم هندسة جديد، موضحاً: «تم تحطيم النموذج الزماني ـ المكاني القديم وإبداله بحقل أبدي متدفق يتميز بالتحول الدائم. هذا الحقل الكمي غير منفصل عنا البتة ـ إنه نحن». ما يجعلنا نتأمل مجدداً تعبير الروائي إدواردو غاليانو في حوار أجراه جوناه راسكين: «أنا الكلمات التي أنطقها. وإذا أعطيتك كلمتي، فكأنني أعطيتك نفسي». والبحث الأساسي في هذا الصدد، يكمن في مدى إدراكنا لهذا التدفق بما يمكن تسميته بـ «الذكاء»، الذي يعبر عنه شوبرا، بأننا مشدودون إليه وهو يتحكم بالكون برمته، بالرغم من أن كل شخص منا يبدو منفصلاً ومستقلاً عن الآخرين، قائلاً : «المادة الخام التي يتكون منها الكون بما في ذلك جسدك لم تكن عديمة القيمة؛ لكن قيمتها لم تكن من النوع العادي، فهي تتعلق بالتفكير ذي القيمة والمغزى. الفراغ الموجود داخل كل ذرة من الذرات ينبض بذكاء غير مرئي أو محسوس».&
بالإشارة إلى «الذكاء»، الذي وصفه د. ديباك شوبرا، أثناء شرحه لـ «عملية إنتاج الحياة» بـ «المشفر» في بعض المواقع، ما يثري الأسئلة في تجاوز الحياة لما هو محسوس، على مستوى التجريب من قبل الإنسان، لذا فإن الاستماع لقصيدة «روح التاريخ» للشاعر البولندي تشيسواف ميووش تهدي حساً وجودياً حول هذا المحور عندما يقول:


«آهٍ، أنت دون بداية، آهٍ، إنك دوما ما بين&
الشكل والشكل، بين جدول المياه، والشراراة،&
والأطروحة المضادة التي تنضج فتصبح أطروحة.&
هكذا نحن نتساوى اليوم بالآلهة
فيك ندرك، بأننا غير موجودين».&


والترقب الفعلي للحراك المعرفي، يكمن في إمكانية أن يعيّ الشباب في مجال الإبداع الثقافي والفني، هذه الدراسات العلمية وتأثيرها على إنتاجاتهم الإبداعية، رغم أنه يمكن النظر لـ الرواية والشعر، أنهما من الأصناف الأدبية الأكثر مكاشفة لوهمية الواقع. والبحث في مدى استجابة الشباب لتلك الأطروحات، وتفعيلها في فهمهم لفلسفة الحياة، وما يودون إنتاجه عبرها، يمثل سؤالاً جوهرياً يستدعي منّا فتح أفق أوسع للحوار العلمي الثقافي.