&زياد الدريس&&

طالعت بالأمس مقطع فيديو متداول في تويتر، عن مصر (بالأبيض والأسود) في بداية الخمسينات الهجرية. وقد أشير أنه تم تصوير الفيديو عام ١٣٥٠هـ - ١٩٣٢م، أي قبل حوالى ٩٠ سنة.


وكان أكثر ما لفت انتباه مشاهدي المقطع واهتمامهم هو ترتيب الشوارع والتشجير المحبوك والأرصفة الفسيحة والمظلات على المحال ولباس الناس الأنيق والمباني الفاخرة والتروماي الهادئ وغير الرثّ.

حتى إن أحدهم علّق: أهذه القاهرة أم باريس؟!&

كان هذا الحال الفاخر قبل وقوع ثورة الضباط الأحرار بـ 20 عاماً، أي خلال أيام الملكية التي أصبح يسميها الثوار "التقدّميون" في العالم العربي: "الرجعيّة"!

كان القاسم المشترك بين تعليقات العرب على الفيديو هو الحنين إلى الملكيّة، التي كانت تهيمن على نمط الحكم في الدول العربية قبل تحوّل بعضها من الملكية إلى الجمهورية.

استمر منظّرو الجمهوريات العربية، حتى بعد مضي سنوات من التجربة، يصفون أنفسهم بالتقدميين ويصفون سكان الملكيات العربية بالرجعيين، على رغم أنه لم يتحقق عندهم التقدم الموعود الذي يمكن لهم أن يبزّوا به "الرجعيين"!

استمر هذا الحال عقوداً؛ "التقدميون" يتراجعون و"الرجعيون" يتقدمون، حتى جاء ما يسمى "الربيع العربي" فتساقطت الجمهوريات الهشة وتماسكت الملكيّات الصلبة.

يروق لمن لم يعجبه تماسك الملكيات أمام رياح "الخريف العربي" الهائجة أن يعزوه إلى الثروة التي ترفل فيها الشعوب الملكية، ويتناسى أولئك أن مملكتي الأردن والمغرب لا ينطبق عليهما هذا "التسبيب" المتحيز تجاه الدول الخليجية، كما أن بعض الجمهوريات العربية (العراق، ليبيا، الجزائر) أغنى من بعض الملكيات العربية، لكن لا هي حققت التقدم الموعود ولا سلمت من الانتفاضات الشعبية، ومردّ ذلك كله أنها لم تستخدم الثروة الهائلة لتنمية أوطانها ورفاهية شعوبها، بل لتنمية كراسيها ورفاهية عسكرها.

وما لا يريد التقدميون/ الافتراضيون سماعه أنه حتى في أوروبا، المتقدمة حقاً، فإن الملكيات ظلت دوماً أكثر استقراراً وتقدماً عن الجمهوريات، وقد اشتهرت الدول الاسكندنافية (الملكية) بكونها مضرب المثل العالمي في الاستقرار والسلْم الاجتماعي. حتى وإن قال البعض بأن هذه ملكيات دستورية لا دور للملك فيها، فقد ظل الملك/الملكة فيها عامل استقرار مرجعي دائم عند حدوث أي خلل أو اضطراب، وهو ما لا يتوافر للجمهوريات الشبيهة بالأيتام عند الخصام!

إذا كان الإنسان الأوروبي الذي تقوم عنده العلاقات الاجتماعية وفق نسق أفقي، يميل إلى أن الملكيات أكثر استقراراً من الجمهوريات، فكيف لا يميل إلى هذا الخيار الإنسان العربي الذي جُبل على النسق العمودي في التراتبية الاجتماعية؟!

إن كان الوطن هو المنزل، فإن الملك أب، ورئيس الجمهورية مديرٌ للمنزل.