&حسن حنفي


حتى الآن لم يتحول الاجتهاد إلى تجديد شامل ونهضة وطنية، ولم يصبح بعد مستقلاً ومراعياً المصالح العامة، أو كما يقول القدماء «عموم البلوى»، في حين أن البلوى عامة في خمس قضايا تمس وجود الأمة في التاريخ؛ أي تراجعها وتقدمها، سقوطها ونهضتها.
الأولى؛ استكمال حركة التحرر الوطني في فلسطين، ومساعدة المسلمين المضطهدين في بقاع عدة من العالم. وقد أصبح مفهوم «الأرض» الآن فرعاً من اللاهوت المعاصر «لاهوت الأرض». لم تعد نظرية «الذات والصفات والأسماء والأفعال» هي لب الإلهيات، بل ارتباط التوحيد بالأرض والتحرر والتنمية والتقدم والنهضة. إن تحويل الاجتهاد إلى نهضة حضارية شاملة يقتضي وضع «لاهوت الأرض»، دفاعاً عن الأوطان، ومنها فلسطين، (وفي قلبها القدس) التي يتم تهويدها على قدم وساق من دون أن يتحرك أحد كما تحرك آلاف المسلمين (عرباً وعجماً) ضد الرسوم المسيئة أو دفاعاً عن النقاب في فرنسا أو المآذن في سويسرا!


والثانية؛ حرية المسلمين في التفكير والتعبير من دون تكفير أو تخوين من جانب الجماعات التكفيرية. وفي تراثنا خير معين على ذلك: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ». وقول عمر: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟». فالحرية حق طبيعي للإنسان، وليس الأمر كما هو الحال عليه الآن من إنكار لشرعية التنوع والاختلاف، رغم أن الله تعالى يقول: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً».


والثالثة؛ العدالة الاجتماعية ضد التفاوت الشديد بين الأغنياء والفقراء في كثير من البلاد الإسلامية. وقد كثر ذكر الآيات والأحاديث في الستينيات لتبرير الاشتراكية، وأنها جوهر الإسلام.. وهنا يتحول الاجتهاد إلى حركة عامة لإعادة توزيع الدخل وتذويب الفوارق بين الطبقات.
والرابعة؛ وحدة الأمة ضد مخاطر تفتيتها، كما هو قائم الآن في العراق بين سنة وشيعة وعرب وأكراد وتركمان، وفي السودان بين عرب وأفارقة (شمال وجنوب، شرق وغرب)، وفي الصومال بين قبائل يقتل بعضها بعضاً باسم الجهاد وتطبيق الشريعة الإسلامية.. والخطورة قد تمتد إلى شمال أفريقيا بين عرب وأمازيغ، مسلمين وأقباط. وتصبح إسرائيل أكثر دول المنطقة استقراراً وانسجاماً بين شرقييها (سفرديم) وغربييها (أشكنازي)، متدينيها وعلمانييها. لديها العقول ولدى العرب السواعد والأموال. وبذلك ينتهي تصور القرآن لوحدة الأمة التي هي انعكاس للتوحيد: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ». والعالم اليوم عالم تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي في إطار عالم موحد تحت ظل العولمة.


والخامسة؛ هوية الأمة والتمسك بأصالتها والإحساس بذاتيتها، دون الانغلاق على الذات والانعزال عن الآخر. وهو ما يحميها من الوقوع في التقليد والتبعية والتغريب واعتبار الغرب نموذج التحديث ومستقبل البشرية. وإدراك تعدد مسارات الشعوب والحضارات، وأن لكل أمة تاريخها ومسارها المستقل عن الآخر؛ قد يتقاطعان وقد يتوازيان، وعلى الرغم من تعددها فإن جوهرها واحد فيما يتعلق بأصلي التوحيد والعدل، القيمة الشاملة التي يتساوى فيها الجميع، والعمل الصالح مقياس التفاضل بين الناس.
&