&عائشة المري

تتأرجح منطقة الخليج على صفيح ساخن بسبب الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تكتسي طابعاً استثنائياً. وتبرز مخاطر المواجهة الأميركية الإيرانية المحتملة وسط حالة من التصعيد والتهدئة وتباين مؤشرات الحرب والسلام في المنطقة. فقد أصبح الحديث عن احتمال اندلاع حرب جديدة في الخليج الحديثَ الأبرز في المناقشات الدولية وسط تسارع مؤشرات التوتر، مقابل تطمينات تؤكد تمسك الطرفين بالحرص على عدم خوض الحرب.
وفي تطورات متسارعة تهدد الأمن والاستقرار تعرضت أربع ناقلات نفط لعمليات تخريب بالقرب من المياه الإقليمية وفي المياه الاقتصادية لدولة الإمارات، ووجهت كل من الإمارات والسعودية والنرويج رسالة مشتركة إلى مجلس الأمن الدولي لإبلاغه بالحادث. وعلى المستوى الرسمي، نددت الخارجية الإيرانية بالحادث، لكن الولايات المتحدة على لسان مسؤول في الاستخبارات قالت: إن إيران مشتبه بها، وإن لم تملك أميركا دليلا قاطعاً بأن طهران تقف خلف هذا العمل. وأعلنت المملكة العربية السعودية استهداف طائرات «درون» مفخخة محطتين لضخ أنابيب النفط، مؤكدةً «أن هذه الأعمال التخريبية تستهدف إمدادات النفط إلى العالم». واتهمت السعودية إيران بتوجيه أوامر للحوثيين بتنفيذ ذلك الهجوم الآثم.


لا يمكن عزل استهداف ناقلات ومضخات النفط خارج سياق التوتر الإيراني الأميركي. وبغض النظر عن التصريحات الإيرانية الرسمية فمن الواضح أن هناك رسائل محددة يتم إيصالها من خلال الأحداث المتتابعة. ويؤكد ذلك تحذير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في زيارته المفاجئة للعراق الثلاثاء الماضي، لـ«إيران ووكلائها مهما كانت هويتهم» من مهاجمة المصالح الأميركية وتهديدها برد سريع وحاسم بعد أن رصدت الاستخبارات الأميركية تواصلا بين إيران وأذرعها لتحريك القوات والمعدات في خطوة فسرها الأميركيون باحتمال استهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا.&
يعلم طرفا الأزمة واشنطن وطهران أن الاشتباك العسكري التقليدي ليس مطروحاً من قبل إدارة ترامب، وفي ذات الوقت فربما كان الإيرانيون يستعدون لخوض حرب «غير تماثلية» مستفيدين من دروس «حرب ناقلات النفط» (1986-1988)، وذلك باستخدام قوارب صغيرة، وألغام، وغواصات، وصواريخ ذات قواعد ساحلية مضادة للسفن، وهجمات صواريخ باليستية بعيدة المدى، وأعمال إرهابية ينفذها أتباع.. بهدف تخويف الولايات المتحدة وحلفائها.&


تعتمد الإدارة الأميركية على الإبقاء على استراتيجية ردع وقائية تجاه إيران، من دون وضع خط أحمر علني محدد لاتخاذ عمل عسكري، وذلك من خلال تعزيز القدرات العسكرية التقليدية للولايات المتحدة وحلفائها من أجل ردع وهزيمة أي عمل عسكري إيراني في المنطقة إذا اقتضت الضرورة. واتخذت واشنطن سلسلة من القرارات لتعزيز تواجدها العسكري في منطقة الخليج، إذ نشرت 7 سفن عسكرية على الأقل، بقيادة حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن»، في الخليج العربي وفي المنطقة المحيطة به ونشرت قاذفات استراتيجية من طراز «بي-52» في قاعدة العديد القطرية، إضافة إلى إعلان البنتاغون عن إعادة بطارية الصواريخ «باتريوت» إلى المنطقة وتعزيز قوات الولايات المتحدة في الخليج بسفينة «أرلينغتون» الهجومية البرمائية.. كل ذلك إلى جانب القوات والقواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تحشد قوات للردع باستعراض قدراتها العسكرية لإجبار طهران على تغيير سياستها. ورغم أن آخر ما تريده طهران هو حرب مدمرة تزيد من حالة البؤس والضائقة الاقتصادية في البلاد، فإن القيادة الإيرانية تبدو كمن لا يتعامل مع التهديدات الأميركية بجدية. لكن ينبغي التمييز بين أفعال إيران (معها أفعال وكلائها) والتي تعد كلها «بغيضة»، وبين أفعالهما التي تستدعي اتخاذ عمل عسكري حاسم.

&