& محمد الساعد

تقدم إيران نفسها للعالم باعتبارها دولة تبحث عن السلام والحوار، لم تفعل ذلك عبر الدبلوماسية فقط، بل استفادت من الجالية الإيرانية الواسعة في أمريكا وأوروبا لاختراق المؤسسات السياسية في تلك الدول من الإيرانيين الحاملين للجنسيات الغربية، لقد بنت لنفسها لوبيا واسعا يمرر أفكارها ومشاريعها ويحسن صورتها.

في العلاقة مع إيران ومنذ منتصف الثمانينات كانت السعودية تبدي دائما حسن النوايا وتتغافل وتقدم المصلحة العليا للمنطقة على الحسابات الضيقة، والشواهد في ذلك كثيرة، وطوال أربعين عاما كانت الرياض مؤمنة بأن الحوار والتفاهم مع الجيران هو السبيل والطريق الأمثل لبناء علاقات مع «جغرافيا» لا يمكن تغييرها وتاريخ لا يمكن القفز عليه ليس مع إيران فقط بل مع الجميع.

وعلى الرغم من الاستفزازات الإيرانية المتتالية والتدخل في الشأن الداخلي ومحاولة تقويض أمن المملكة والمنطقة العربية ودعم متطرفي «السنة والشيعة» على حد سواء لإثارة النعرات والنزاع الطائفي، ومحاولة تسييس الحج ودفع الحجاج الإيرانيين للقيام بفوضى ومظاهرات سياسية بل والاعتداء على رجال الأمن والمواطنين وتخريب المؤسسات وحرقها في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة كما حدث في حج 1987، فضلا عن التمادي الإيراني الذي وصل إلى تهريب متفجرات سي 4 شديدة التأثير مع حجاجهم والتي كانت تهدف إلى تخريب موسم الحج، إلا أن السياسة السعودية بقيت تقدم ضبط النفس على الاقتصاص والحوار على الحرب المفتوحة.

اليوم يبدو المشهد أكثر قتامة وطبول الحرب تقرع بسبب تصرفات الحكومة الإيرانية التي يقودها مثلث «روحاني خامنئي قاسمي»، وسعيها لامتلاك قنبلة نووية، ولم يعد أمام الرياض ولا الدول التي تستشعر الخطر الإيراني أي مساحة للتسامح مع نظام كاذب غادر لا يفي بأي وعد يلتزم به.

الرغبة السعودية في علاقات حسنة وسلام يعم المنطقة ليست دعايات تبثها في الليل وتخترقها في الصباح كما الإيرانيين، بل هي سلوك منضبط ومستمر والرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني أكثر سياسي في طهران يعرف ذلك، ودعونا نذكره بأهم اتفاق وقع بين الرياض وطهران عندما كان رئيسا لجهاز «الاطلاعات الإيراني» وهو جهاز يقابل الاستخبارات والأمن القومي في دول العالم، وأداره روحاني بين 1989 - 2005، ما جعله مسيطرا على الكثير من الأحداث التي مارستها إيران سرا وعلانية.

خلال تلك الفترة شهدت العلاقات بين البلدين سلسلة من اللقاءات قام بها وزير الخارجية السعودي الأسبق الأمير سعود الفيصل رحمه الله، وكذلك الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات العامة الأسبق، لمحاولة الوصول إلى نقاط تفاهم مع طهران، إلا أن الخطة الإيرانية كانت تسير باتجاه آخر، هو تحويل الحوار مع الرياض إلى وسيلة ابتزاز سياسي للدول الغربية، فيقول الإيرانيون: نحن نتحاور مع السعوديين فما بالكم لا تتحاورون معنا.

لقد كانت خطة ذات وجهين، تقوم على التفاوض أطول فترة زمنية ممكنة، وفي الوقت نفسه إنشاء مشاريع لحصار السعودية في اليمن والعراق والبحر الأحمر بالتشارك مع القطريين ومعمر القذافي والجماعات الإسلاموية المتطرفة.

ومع ذلك كله توصل الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- ولي العهد الأسبق ووزير الداخلية، مع وزير «الاطلاعات» حسن روحاني -حينها- إلى اتفاق سمي باتفاق «نايف- روحاني»، يتضمن مجموعة من الشروط التي وافقت إيران على الالتزام بها لتحسين العلاقات، ونزع التوترات في المنطقة، كان من أهمها التوقف عن التدخل في الشأن الداخلي السعودي والخليجي والعربي، والتزام إيران بالتوقف عن دعم العمليات الإرهابية في السعودية مثل عملية «الخبر 1996»، وعدم إعطاء القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى ملاذا آمنا في إيران والدفع بهم لتنفيذ أعمالهم الإجرامية في المملكة، ووقف تبني الإرهاب في العالم والالتزام بمكافحته، والانتهاء من تهريب المخدرات إلى المملكة وملاحقة الجهات الناشطة في التهريب، ودعم جهود المملكة في لبنان لإرساء السلام بين الفرقاء، كل تلك الالتزامات كان من الممكن أن تبني علاقات حسن جوار مهمة بين الرياض وطهران لو التزمت بها إيران.

الرسالة السعودية تقول اليوم لروحاني الذي وقع على ذلك الاتفاق ولم تتوقف دولته عن زعزعة الأمن في المنطقة ولو لساعات.. هل نسيت اتفاقك يا روحاني، وأين الالتزامات التي وافقت عليها ووعدت بتنفيذها، نحن نعلم أنكم لا تنفذون ما تعدون، ولذلك عليكم اليوم سداد فواتير 40 سنة من الإرهاب والخيانة، وعليكم تجرع كأس السم الذي حاولتم مرارا أن تسقوه لنا.