& زهير الحارثي

&

&سلوك طهران في الآونة الأخيرة هو بمنزلة انتحار سياسي، وستدفع الثمن غالياً، والنتيجة ستؤدي إلى أفول النظام الذي عليه أن يرتهن للواقعية، ويرضخ وينفذ ما هو مطلوب منه بتغيير سلوكه العدواني والتعاطي بمفهوم الدولة لا الثورة؛ لأن هذا هو المخرج الأول والأخير..

العنوان يختزل كامل القصة، فالمقام هنا ليس للمبالغة والتهويل وتضخيم الأمور، بل هو قراءة واقعية لما يحدث الآن في المنطقة، ما يؤكد حقيقة أن من أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه هو إيران بأفعالها وممارساتها وسلوكياتها، التي تتعارض مع مبادئ القانون الدولي. التفجيرات الأخيرة التي حدثت في مياه الخليج، واستهداف أنابيب النفط في المملكة تطور خطير، يكشف وبلا مواربة مدى حماقة أصحاب القرار في طهران، فكان لا بد من إيقاف هذه العنجهية الإيرانية.

ليس من باب التجني القول إن طهران أثارت حفيظة العالم، فما قامت وتقوم به من أساليب وتدخلات في شؤون دول الخليج الداخلية، وزرع خلايا نائمة فيها وتمويلها للإرهاب - كلها أمور خطيرة تجرها إلى مواجهة خيارات مؤلمة. السعودية كانت وما زالت تمثل لإيران هاجسا سياسيا وعقائديا، وتقف حاجزا منيعا أمام تحقيق طموحاتها وتوسيع نفوذها، فما لبثت أن لجأت إلى مختلف السبل لتضييق الخناق عليها، مدركة أن مخططها التوسعي لن يتحقق له النجاح طالما أن السعودية تقوم بدورها المعتدل والمتوازن، ونفوذها المؤثر في المنطقة والعالم. لقد بلغ السيل الزبى، ولا يعد بالإمكان ترك نظام طهران يعيث فسادا وتكبرا وإجراما بالاستمرار في عملياته القذرة وممارساته المرفوضة قانونا وإنسانيا، والمثير للدهشة والشفقة في آن واحد هو اتجاه إيران للتصعيد والتأزيم رغم معرفة الإيرانيين بالفوارق المهولة في قدرات التسلح التقليدية للقوات الجوية والبحرية والقدرات الصاروخية بين الجيشين الأميركي والإيراني.

من يستمع للتصريحات الإيرانية هذه الأيام يصل إلى قناعة بأنهم يعيشون خارج الكوكب، وكل التشدقات والشعارات التي يرددونها ما هي سلوك إلا شعبوي مخادع للاستهلاك داخل إيران، فالمحايد يعلم حين الحديث عن توازن القوى العسكرية إلى أين ترجح الكفة، فالمسألة خارج المقارنة بكل تأكيد. ولعل تهديد إيران الكرتوني - على سبيل المثال - بإغلاق مضيق هرمز، الذي كررته عشرات المرات لم تصدق فيه ولا مرة واحدة ما يؤكد عدم قدرتها ولا تملك الجرأة للقيام بذلك. إيران قد تنحني أمام العاصفة، ولكن هذا لن ينقذها من مواجهة القدر المحتوم، وهي أيام صعبة قد تنتهي بسقوط النظام نفسه.

رب سائل يتساءل: ما الخيارات المطروحة لنظام إيران طالما أنه موقن بأنه ليس بمقدوره مقاومة استراتيجية واشنطن وحلفائها، ناهيك عن عدم قدرته عسكريا على المواجهة؟ الإجابة لا تحتاج إلى عناء، فالصورة واضحة، لا بد من الرضوخ لكل المطالب الأميركية والدولية العادلة فيما يخص برنامجها النووي أولا، ووقف تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى وتمويل الإرهاب.

هناك مطلب باتفاق جديد ينفذ رغبات أميركا وحلفائها، ويمنع طهران من تصنيع الأسلحة النووية، ويجب عليها أن تقبل بذلك. إذا استمرت طهران في تعنتها، فإن العقوبات المشددة ستأخذ طريقها للتطبيق بشكل صارم، وستلحق بإيران كارثة اقتصادية؛ لأنه سيكون انهيارا اقتصاديا غير مسبوق؛ ما يعني التعجيل بسقوط النظام، كما أن الحرب خيار مطروح على الطاولة، وإيران تدرك أنها الخاسر الأكبر فيما لو اندلعت. الحديث عن ضربة عسكرية لإيران ليس دعابة ولا مزحة، بدليل ما نقرأه في وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين في المنطقة، فضلا عن وصول معدات وحشود عسكرية أميركية، فهي لم تأت للسياحة بطبيعة الحال. هناك رأي متداول أن المسألة لا تتجاوز حيز الردع والضغط على النظام الإيراني، وهذه ليست القضية بقدر ما أن المهم أن تنفذ إيران كل ما هو مطلوب منها وهو ما سيتحقق.

هيمن الاعتبار الأيديولوجي على المصلحة الوطنية في إيران منذ عام 1979م، بدليل استمرار تصدير الثورة وإن كان بصور مغايرة. غير أن الأمور لم تعد كما هي، والوضع الآن تغير عما سبق، فالمحاسبة يجب أن تتم، والرضوخ يجب أن يتحقق، ولا يوجد خط رجعة ولا تسويات، وسيخضع النظام الإيراني للضغوط الأميركية في نهاية المطاف، فالمسألة مسألة وقت ليس إلا.

سلوك طهران في الآونة الأخيرة هو بمنزلة انتحار سياسي، وستدفع الثمن غالياً، والنتيجة ستؤدي إلى أفول النظام الذي عليه أن يرتهن للواقعية، ويرضخ وينفذ ما هو مطلوب منه بتغيير سلوكه العدواني والتعاطي بمفهوم الدولة لا الثورة؛ لأن هذا هو المخرج الأول والأخير.