&أحمد الحناكي&

كان لافتاً للنظر في حادثة اقتحام المسجد الحرم من قبل جهيمان ومجموعته، وفي حلقة مسلسل العاصوف أن قائد الهجوم العسكري من قبل الحكومة يبلغ وكيل المنطقة بأنهم حصلوا على خرائط المسجد من قبل شركة محمد ابن لادن، التي كان لها شرف توسعة المسجد، ليتعرفوا على المداخل والمخارج والمنافذ تمهيداً للهجوم على جهيمان وجنوده.


لم يكن أحد يتوقع أن يكرر ما قام به جهيمان، أحد أبناء ابن لادن (أسامة) بتخطيطه وأمره بتنفيذ عمل إرهابي بعد حوالى 22 عاماً ضد أبراج التجارة العالمية في نيويورك وإن لم يشترك فيه معهم.

هل كان أسامة امتداداً لجهيمان؟ ربما كذلك إذا اعتبرنا أنه كان في الـ22 من العمر عندما حدثت حركة جهيمان، فيما بدأت اهتمامات أسامة تبرز عام 1984 عندما أسس منظمة دعوية سمّاها مركز الخدمات وقاعدة للتدريب على فنون الحرب والعمليات المسلحة، لدعم وتمويل المجهود الحربي للمجاهدين الأفغان.

صحيح أنها بداية مختلفة، كون جهيمان بدأ وبشكل صاعق ضد أبناء وطنه وضد أبناء دينه، إلا أن الاثنين كانا يتطلعان إلى هدف واحد، وهو هذا الطموح للزعامة والحكم، حتى لو كان على حساب أرواح الأبرياء.

ويذكر ناصر الحزيمي، وهو كان أحد المشاركين في حلقة جهيمان، إلى ما قبل ذهابهم إلى مكة عندما اكتشف كم هو كان مخطئاً بالانسياق إلى هذه المجموعة الإرهابية فانسحب منها، أقول ذكر في كتابه «أيام مع جهيمان» عن العلاقة بين أفكار جماعة جهيمان وتنظيم القاعدة: «إن أسامة بن لادن لم يرتبط بالجماعة بشكل مباشر»، ولكنه يعرف أنه اطلع على أفكارها من خلال بعض أعضاء الجماعة، الذين كانوا يقيمون معه في ذلك الوقت في مدينة جدة، ويضيف: «تتشابه القاعدة مع جماعة جهيمان في التطرف الديني والاجتراء على حمل السلاح وسفك الدماء في غير مواضعها الشرعية، وكذلك طريقة تجنيد الشباب والتأثير فيهم بقيم دينية سلفية تبدو للوهلة الأولى شديدة المثالية، والالتزام بمبادئ مثل السمع والطاعة والخضوع التام للنص، وعدم تشجيع الأتباع على استخدام العقل وعلوم المنطق في تمحيص الأحكام والاستدلالات».

ما يثير السخرية هو أنني اطلعت على تقرير لـ «بي بي سي» البريطانية عن حركة جهيمان استضافوا فيه ناصر الحزيمي وبعض الضيوف، لكنهم استضافوا أيضاً ضيفاً وصفوه بالداعية مع أنني اعتبره مدّعياً لا داعية، فقال: «إن جهيمان عندما أعلن عن احتلاله الحرم فإن المصلين ضجوا بالتهليل والتكبير فرحاً، وإنهم كانوا يتزاحمون للوصول إلى محمد العبدالله القحطاني لمبايعته عندما ذكر جهيمان أنه المهدي المنتظر»، ولا أقول إلا حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدّق فلا عقل له. هل تريدنا «بي بي سي» أن نصدق أن مسلمين مسالمين قلوبهم ملأى بالإيمان وبفرحة اللقاء مع ربهم دالفين للمسجد ويفاجأون بهذا العنف والوحشية والاعتداء على حرمات المسجد ومصليه وتريدهم أن يهللوا؟! أيا ترى كنا في مكة المكرمة أم كنا في دولة تمنع الناس من أداء شعائرهم الإسلامية؟

أكرر دائماً أن وسائل الإعلام الغربية تقع في خطأ مهني كبير، فهي تظن أنها تعمل الصحيح عندما تعمل استبانات وتكتفي بتحليلها لتخرج علينا بما لم يخرج به الأوائل، أو أنها تظن أننا ما زلنا نعيش بعقلية القرون الوسطى وأننا لم نتقدم قيد أنملة بعد ذلك.

لا أعرف عما إذا كانت «بي بي سي» وصنواتها من القنوات تعلم أن حركة جهيمان وتداعياتها أثرت على عجلة التقدم لدينا فيما كنا قاب قوسين أو أدنى من مجايلة دول أخرى متقدمة فكرياً وثقافياً وفنياً، والمؤكد أن الدولة آنذاك أرادت أن تقطع الطريق على المغرضين والمزايدين، فأوقفت بعض القرارات التي تصب في مصلحة التعليم والإعلام والثقافة والفنون، لكن ذلك شجع المتشددين على تطرفهم، وظنّوا أنهم من يسيّر الدولة وتمادوا في غيّهم، على أن عهد الملك عبدالله - رحمه الله - كان بداية للتغيير تجاه هذه الحركات، فيما كانت فترة خادم الحرمين الملك سلمان بتنفيذ من ولي العهد الشاب محمد بن سلمان مخاض تغيير كبير تحديثي وتنموي لن توقفه محاولات ظلامية واهنة.