&عبدالله بشارة

&ذهبت إلى ديوان النائب السابق د.ناصر الصانع، حيث ينتظم اللقاء كل عام، حاملاً معي الشعور الكامل بأنني سأتواجد في محيط من الدعاة الإسلاميين بعمائم أزهرية وهندام يلامس الأرض وأناشيد من المرشحات والتهليلات وأنواع من الطيب الذي نلتحف به عند مداخل المساجد والكنائس، لكنني وجدت حالي في تجمع مدني متلون، ضم كل الأطياف وكل الفئات، وجمع غفير يدخل ويبارك ثم ينساب خارجاً بهدوء، في غياب كامل عن التصور بأن الصوت الدعوي المطالب بالفضيلة المنزهة والراشد في السلوكيات والمساند للعفة والطارد لكل الموبقات سيلعلع ويتكاثر في هذه المناسبة. وجدت شيئاً آخر، رجالاً في خط استقبال بعضهم صارخ في هويته وعنوانه الفكري معروف لدينا مثل المهندس مبارك الدويلة، وبعضهم ينقل محتوى آخر فيه شيء من ملامح جمعية الإصلاح لكنه يحمل خلطة بمحتوى ليبرالي معتدل ومسحة دينية متسامحة، والبعض الآخر من النوع الحالم بمواصلة المسار السياسي آملاً في تطور يرسخ استمرار نهجه وينشئ له مكانة لعضوية مجلس الأمة مستقبلاً.&

وجلست أتفحص الملامح المشدودة بابتسامات الترحيب تجاه تدفق كثيف للزوار، وبعبارات التآخي، المحمولة بالأمل بأن هؤلاء المهنئين ليسوا من «الزوار العابرين»، وإنما من أصدقاء فكر ومن متعاطفين بقلوب رحبة ربما يتعاظم هذا التعاطف إلى شيء أكبر وأقوى تأثيراً. كنت في المشهد نفسه في العام الماضي، واكتشفت شيئاً آخر هذا العام، حيث تميز في تنوع الخلطة السياسية التي ضمت ألواناً أخرى لم أتوقعها، ولم تدخل حلبة المجموعة، أضفت عليها أجواء قربتها من المناخ العام للمجتمع الكويتي. جلست أتحدث مع الوزير السابق محمد السنعوسي، في جو لا يختلف مطلقاً عن مناخ الدواوين الأخرى، وأتصور هوية المادة التي حققت هذا التطور، فيمكن ألاحظ شيئاً جميلاً في النضج السياسي للخط العام لمجموعة حدس التي كان الرأي العام الكويتي يحكم عليها من تعبيرات العضو البارز مبارك الدويلة، الذي كان واقفاً في طابور الترحيب لكنه يظل استثناء في حدة وغلاظة مفرداته، وأتصور أيضاً بأن أصحاب القرار في «حدس» أصبحوا أقل جموداً وأكثر تعانقاً مع الرأي الغالب في المجتمع الكويتي، الذي يتمثل في الموقف المعتدل (الوسطية) سلوكاً وفكراً وجدالاً وتخطيطاً وطموحاً، مع حسنات واقعية استوعبتها المجموعة، وهو أمر يهمنا جميعاً، فالخلاف بيننا في شيئين، الشدة المنفرة، والشكليات المواعظية التجميلية، وإذا تخطينا الأخيرة فإن الشدة المنفرة هي التي صنعت سياجاً مانعاً ضيقت على الجمعية وعلى سلوكيات مجموعة حدس السياسية. وأحب أن أستطرد أكثر فأربط نشأة هذا السياج المانع بالمواقف السياسية الحادة التي تتبعها مجموعة حدس، وعن هذا الشأن أشير إلى شيء جديد في نموذج التصويت الحدسي، كما لاحظته مؤخراً، فقد كان سابقاً يسير بتكتل واحد لا يفترق،

لكن الذي يتابع يستطيع أن يشخص ظاهرة المفارقات التي تضع بعضهم مع القبائل، وبعضهم يصوت مع مجموعة أهل المدينة، لكنهم جميعاً يلتفون في مواجهة القيادة مستفيدين من حجم التسامح القيادي ومن براغماتية خياراتها. وهذا أمر يحيرني ويحير الكثيرين؛ فقيادة جمعية الإصلاح لها مودة معروفة، ورسالتها التقويم والتصويب ورفض المنكر، والتحلي بالسمو من القيم والنبل والأخلاق، وليست من هواة المواجهة السياسية. ولا يغيب عن التشخيص في سلوكيات «حدس» قدرتها على ممارسة الفن في التأثير على جمعية الإصلاح ومقامها وسحبها إلى لعبة السياسة والتعايش مع توحشها، ففي السياسة يتواجد التلوث الذي ربما لا ينسجم مع خلو الدعوة التي تطلقها جمعية الإصلاح من المنافع السياسية، ومن هنا اختلط التدين بالسياسة بين التي يتولى فيها ناصر الصانع شؤون العلاقات العامة، وبين منابر الدعوة الراعي لها الفاضل الشيخ خالد المذكور. فاكتمال البناء الحزبي السياسي لـ«حدس» وانفصالها التام عن الجمعية يريح مدرسة الفضيلة في جمعية الإصلاح لينصب جهدها في المسار الدعوي فقط، ويحصنها من ضبابية العلاقة بين مجموعة حدس السياسية وبين الجمعية التي عليها التوجه الكامل في المسلك الديني التثقيفي الاجتماعي. فخلطة السياسة لا يمكن أن تتآلف مع نقاوة الدعوة، وسيظل الإشكال مستمراً طالما بقيت «حدس» مقترنة بالترابط مع هيكل الجمعية..

وأنا من الذين يحبذون خروج «حدس» العلني والرسمي من جمعية الإصلاح التي لها مأمورية نقية دينية اجتماعية وإنسانية، حماية لمقام الدعوة التي تنال دعما وتتمتع بمساندة ثابتة ورعاية خاصة لا تتعايش مع سلوكيات «حدس» السياسية، وآخر نماذجها المزعجة تصويتها ضد تحويل استجواب سمو رئيس الوزراء إلى اللجنة التشريعية، فمهما كان صبر السلطة ومهما كان مدى التسامح، فهناك مواقف لا تسامح فيها، خاصة في ما يتعلق بإضعاف النظام السياسي والشوشرة عليه، ولا أعتقد أننا نقبل حصانة تحمي جماعة «حدس» من المحاسبة تكريماً للجانب الأكبر، وهو الذراع التثقيفية التي هي جوهر المنافع في استمرار الجمعية. والواضح أن «حدس» السياسية تريد البقاء والاستمرار في غابة العمل السياسي، مع بقائها في الكيان التنظيمي للجمعية كذراع سياسية، وهذا ما نعترض عليه، فنريد «حدس» مثل المجموعات الأخرى التي لا تتمتع بغطاء له عروق متداخلة مع المجتمع المواعظي الديني، ومع خطوط السلطة، فالجمعية تتعرض لاتهامات بين حين وآخر، بينما تظل مدافع «حدس» تضرب كل جانب من السلطة وتذهب أكثر في مشاكستها كشريك مع آخرين في التصدي لمقترحات السلطة وتقويضها مندفعة بفرحة الفوز للمزيد من التعطيل.. هذا المقال مجرد تمنيات في شكل نصيحة بأن تخرج «حدس» من ستائر الحشمة التي تتمتع بها جمعية الإصلاح، وأن تمارس علناً وبالفضاء المفتوح لعبة السياسة مثل الآخرين، وأنا مثل عدد كبير من أهل الكويت نتوقف احتشاماً لأهداف الجمعية في التثقيف والدعوة، لكننا نستغرب من صخب المعارضة التي تطلقها «حدس» ضد مسارات الحكومة ومشروعاتها، فالطيش السياسي لا يتعايش مع الدين الصافي، ونادراً ما يلتقي الزيت مع صفاء المياه. عبدالله بشارة

&