&حالة الانكفاء التي يعيشها النظام الإيراني والعزلة الخانقة التي يتكبّدها نتيجة صلفه وتخبطه السياسي، هي نتاج طبيعي للفوضى وغياب الحصافة والعقلانية لنظامه الذي اعتاد على تصدير حماقاته لدول الجوار من خلال محاولاته التمدّد والهيمنة التي تتّخذ أشكالاً مغلّفة بالطائفية والعنصرية.

هذا الانكفاء المشوب بالذّعر والترقّب يأتي متّسقاً مع الجهود التي تقودها المملكة ودورها المحوري الذي تنهض به مع حلفائها الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي تدرك تماماً الأهمية الكبرى للمملكة باعتبارها شريكاً استراتيجياً مهماً ليس على مستوى الإقليم وإنما على مستوى العالم، وهي أهمية لم تأتِ من فراغ وإنما عبر مواقف وجهود سجلها التاريخ في أنصع صفحاته. فالمملكة لم تزايد يوماً أو تناور في مواقفها ولم يُعرَف عنها التلوّن وفق الأهواء ورياح المصالح والبراغماتية في علاقاتها. لكنه ثبات في المواقف ووضوح في الرؤية وصدق في التعامل واستشعار شفيف وعميق لموقعها الجيوسياسي والثقافي والاقتصادي والديني. دور يترسّخ أثره وتتأكّد قيمته وفاعليته مع كل أزمة تندلع هنا أو هناك.

أما النظام الإيراني الذي دأب على عنترياته الفجّة ونبرته الخطابية الاستعراضية التي تمتح من إرث ينضح بالزيف والادّعاء والهلامية، فبات مكشوفاً أمام الرأي العالمي، ولعلّ الموقف الأميركي الناضج حيال الموافقة على بيع الأسلحة للمملكة متجاوزاً بذلك الكونغرس مؤشّر جلي وعميق على انحياز الدولة العظمى لمصلحتها وليقينها بأن المملكة خير شريك استراتيجي يمكن الركون إليه والاعتماد عليه في تحقيق التوازن والأمن الدوليين.

التحركات الإيرانية التي تتّسم بالوداعة مؤخراً والساعية لاستمالة العالم نحوها ومحاولة استعطاف الموقف الدولي الصارم بهدف التفاوض ومحاولة الخروج من النفق الذي وجدت نفسها فيه يعكس نجاعة هذا التحرك الدولي الذي كانت المملكة شريكاً موثوقاً بمحورية دوره وثقله الذي لا يماري فيه سوى جاهل.

لا خيار أمام النظام الإيراني إلا الإذعان والتخلي بشكل صريح وواضح عن مساعيه في نواياه وأفعاله التي تتنافى مع متطلبات الاستقرار لدول الخليج والعالم العربي، ولن يقبل منه أي محاولة للعودة إلى المربع الأوّل في ضبط أمن واستقرار المنطقة، فمنطق الأمور بات من الوضوح والنصاعة ما يكفي ويؤكد أن عالمنا لا مكان فيه للفوضى ولا الإيذاء وتهديد الشعوب وترويعها أو تهديد عيشها ورفاهها.

كل هذا يتزامن مع قرب التئام القمم الثلاث التي تحتضنها المملكة في رحاب البلد الحرام، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، والتي تذكّر الجميع بحقيقة تاريخية، وهي أنّ قدر المملكة أن تكون مفتاح كل خير وانطلاق كل عمل عظيم يعود نفعه للعالم بأسره.