&محمد سالم البلهان

&في الخمسينات أوفدتني دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى جمهورية مصر العربية، للاطلاع ودراسة ما يسمى بنظام «الحكم المحلي»، الذي تبنت حكومة الثورة المصرية تطبيقه في بلادها آنذاك. من سمات هذا النظام أنه يشبه إلى حد ما نظام «الحكم الذاتي» إذ إنه يعطي أهالي الأقاليم والقرى والمحافظات حكماً شعبياً محلياً، الهدف منه إسناد إدارة الشؤون المحلية إلى ذويها عن طريق مجالس محلية تشكل في القرية من العمدة رئيساً ومدير التعليم ومهندس الري والمهندس الزراعي وضابط الشرطة وثلاثة أعضاء من أبناء القرية منتخبين انتخاباً محلياً، هؤلاء هم أعضاء مجلس القرية، الهدف من تنفيذ هذا النظام كما أسلفنا هو تسهيل قضاء أمور المواطنين الإدارية محلياً من دون الحاجة إلى السفر للمدن الكبرى،

ما يوفر الكثير من الجهد والعناء على الفلاح. وتنفيذاً للمهمة التي أوفدت من أجلها قمت بزيارة عدد من القرى والأرياف واطلعت على مجرى العمل في مجالسها، التي كانت حديثة العهد بالعمل في نظام «الحكم المحلي»، وكم كانت تلك الأرياف جميلة في طبيعتها! وكم لمست من طيبة وصفاء في نفوس أهلها! وكانت معظم القرى التي زرتها تقع في محيط محافظة المنوفية الزراعية الرائعة المتفتحة على الحياة وحب التطور والنمو.

إلا أنه كما يقول المثل المصري «الحلو ما يكملش»، سمعت للأسف الشديد أن خلافاً شخصياً نشب بين عمدة أحد مجالس القرى والسيد مهندس الري أدى إلى إيداع العمدة السجن.. والحكاية كما يلي وكما رواها أهل المنطقة: أهدت الدولة المصرية إلى إحدى القرى مكائن لتوليد الكهرباء، وقد وجد العمدة، اجتهادا منه، أن الطاقة التي تنتجها تلك المكائن من الكهرباء تزيد بكثير على حاجة القرية، ولذا، وبدافع إنساني منه، قرر أن يزود القرى المجاورة بالطاقة الكهربائية الزائدة، وعليه فقد شارك أهالي تلك القرى بنصب أعمدة كهربائية من أغصان الشجر ركزت على طول الطريق من قرية العمدة إلى القرى المجاورة ومدت فوقها الأسلاك الكهربائية. اكتشف مهندس الري أن أحد الأعمدة ركز على أحد قناطر الري المقامة على الترعة التي تزود المنطقة بماء الري والشرب، وقد وجد بذلك فرصة لينتقم بها. وعلى الفور أقام دعوة قضائية ضد العمدة بدعوة تعريض أموال الدولة إلى التلف، ما يعاقب عليه القانون، لأن الأعمدة التي نصبت على حافة إحدى القناطر أدت إلى تدمير وتلف القنطرة، كما ادعى المهندس، وبالفعل صدر حكم قضائي بحبس العمدة.. قد تكون تلك الحوادث التي يتملكها الحقد والحسد والكراهية ومثيلاتها سبباً في القضاء على أي نظام سليم ومضر بالمواطنين ومصلحة الوطن والبلاد. وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» صدق الله العظيم.

&