اتفق كبار المسؤولين في مجموعة العشرين على وضع قواعد مشتركة بحلول 2020 لسد الثغرات التي استغلتها شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "فيسبوك" و"جوجل" لخفض مدفوعات ضرائب الشركات.
وتعهدت مجموعة العشرين في بيانها الختامي الذي أصدرته في فوكوكا بجنوب اليابان اليوم، بإصلاح قواعد منظمة التجارة العالمية التي فشلت في تحقيق أهدافها، ومراجعة مدى التقدم المحرز، مشددين على ضرورة اتخاذ إجراءات إصلاحية لحماية النمو العالمي الذي يبدو في طور الاستقرار لكنه يبقى ضعيفا.
ولم يصدر البيان الختامي للاجتماع إلا بعد محادثات طويلة و"معقدة" بين الولايات المتحدة والدول الأخرى الأعضاء في المجموعة. ودارت المحادثات، وفق بعض المشاركين، حول سطر واحد في البيان، فيما قال مصدر مطلع على مجراها إن "الأجواء كانت متوترة، واستغرقت المفاوضات نحو 30 ساعة".
وكادت المفاوضات الشاقة تُجهض إصدار بيان، لكن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية أكدوا على اللهجة ذاتها الصادرة عن اجتماع بوينس أيرس في كانون الأول (ديسمبر) الماضي التي قدمت دعما فاترا لنظام تجاري متعدد الأطراف يقوم على قواعد متفق عليه، على الرغم من عدم التوصل إلى حد الدعوة لحل النزاع التجاري المحتدم بين واشنطن وبكين.

وأشاروا إلى احتمال هبوب رياح اقتصادية معاكسة على الصعيد العالمي في ظل "تفاقم" الخلافات التجارية. وتعهدوا بتكثيف الجهود لإصلاح نظام الضرائب الدولي ليشمل عمالقة الإنترنت بينما ناقشوا لأول مرة تأثير الشيخوخة المتسارعة على الاقتصاد العالمي.
وأفادت دول مجموعة العشرين أن النمو العالمي "في طور الاستقرار على ما يبدو" ومن المتوقع أن "ينتعش بشكل معتدل في وقت لاحق هذا العام ومطلع 2020".لكنها تداركت أنه "يبقى ضعيفا ولا تزال مخاطر التدهور قائمة. والأهم أن الخلافات التجارية والجيوسياسية تكثفت".
وأكدت الدول المشاركة في الاجتماعات "سنواصل التعامل مع هذه المخاطر ونحن على استعداد لاتّخاذ خطوات إضافية". وشدد الوزراء على أن "التجارة والاستثمار الدوليين محركان مهمان للنمو والإنتاج والإبداع وإيجاد فرص العمل والتنمية".
وأشار البيان إلى أن اختلالات الحسابات الجارية عالميا "تقلصت" منذ أزمة 2008 المالية لكنها "لا تزال كبيرة ومستمرة". وأفاد البيان أن على القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم "تشجيع النساء والمسنين خصوصا على المشاركة في سوق العمل وتشجيع الصناعات الصديقة لكبار السن".

ودعا المجتمعون إلى "تصميم نظام ضريبي بأسلوب منصف وداعم للنمو للاستجابة بشكل أفضل للتحديات التي تشكلها الشيخوخة".
وإضافة إلى ذلك، طُلب من الوزراء خلال الاجتماع التفكير في "مساعدة المؤسسات المالية على إجراء أي تعديلات لازمة في نماذجها التجارية وخدماتها".
تعهّد الوزراء بالتعاون من أجل التوصل إلى "نظام ضريبي دولي منصف على الصعيد العالمي ومستدام وحديث" و"رحبوا بالتعاون الدولي من أجل تقديم سياسات ضريبية داعمة للنمو".

وردا على "التحديات الضريبية الناجمة عن النظام الرقمي" وفي ظل النقاشات بشأن نظام عالمي لفرض ضرائب على عمالقة الإنترنت على غرار "جوجل" و"فيسبوك"، تعهد الوزراء ببذل مزيد من "الجهود من أجل التوصل إلى حل قائم على التوافق مع إصدار تقرير نهائي بحلول 2020".
أفاد بيان مجموعة العشرين أن الإبتكارات التكنولوجية على غرار العملة المشفرة "بإمكانها تحقيق فوائد كبيرة للنظام المالي والاقتصاد الأوسع". وأضاف الوزراء أنه رغم ذلك، "وفي حين لا تشكل الأصول المشفرة تهديدا للاستقرار المالي العالمي في هذه المرحلة، نبقى متيقظين حيال المخاطر".
وأضاف البيان: "بيد أن النمو ما زال منخفضا والمخاطر ما زالت تميل إلى الاتجاه النزولي، والأهم هو أن التوترات التجارية والجيوسياسية اشتدت، سنواصل التصدي لتلك المخاطر ونقف على أهبة الاستعداد لاتخاذ مزيد من الإجراءات".
وتضمن البيان تعهدات بزيادة شفافية الدين من جانب المقترضين والمقرضين وجعل تطوير البنية التحتية أكثر استدامة، وهي مبادرة أطلقت في ضوء الشكاوى من أن مبادرة الحزام والطريق الصينية العملاقة تثقل كاهل الدول الفقيرة بديون تعجز عن سدادها.
لكن الصيغة النهائية للبيان حذفت فقرة مقترحة عن "الاعتراف بالحاجة الملحة إلى حل التوترات التجارية" كانت مدرجة في مسودة سابقة جرت مناقشتها السبت، حيث يظهر حذف الفقرة، الذي جاء بإصرار من أمريكا، رغبة واشنطن في تجنب أي عوائق بينما تزيد الرسوم الجمركية على السلع الصينية، فيما خلا البيان أيضا من أي إقرار بأن النزاع التجاري الآخذ في الاشتداد بين الولايات المتحدة والصين يضر بالنمو الاقتصادي العالمي.
وكان اجتماع مجموعة العشرين في بوينس أيرس في كانون الأول (ديسمبر) 2018 أطلق هدنة تجارية مدتها خمسة أشهر بين الولايات المتحدة والصين لإتاحة الفرصة لمفاوضات بين البلدين إنهاء الحرب التجارية الآخذة في التصاعد، لكن تلك المحادثات واجهت مأزقا الشهر الماضي، ما دفع الجانبين إلى تبادل فرض مزيد من الرسوم الجمركية على السلع مع اقتراب النزاع من نهاية عامه الأول.
واختبرت تداعيات ذلك الخلاف التجاري الآخذة في الاتساع عزم المجموعة على إظهار وحدة الصف بينما يشعر المستثمرون بالقلق إزاء قدرة صناع السياسات فيها على تجنب ركود عالمي.
وبدد الخلاف بشأن اللغة الخاصة بالتجارة آمال اليابان التي ترأس اجتماعات مجموعة العشرين للعام الحالي في إبقاء قضايا التجارة في ذيل جدول أعمال اجتماع كبار المسؤولين الماليين.
وقال ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي إن من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بنظيره الصيني شي جين بينج في قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان يومي 28 و29 (يونيو حزيران).
ووصف منوتشين القمة المزمعة بأنها تحمل أوجه شبه مع اجتماع عقده الرئيسان في أول كانون الأول (ديسمبر) في بوينس أيرس، عندما كان ترمب بصدد زيادة الرسوم على سلع صينية قيمتها 200 مليار دولار، حيث اتخذ ذلك الإجراء في أيار (مايو) وهو يتجه لفرض رسوم على سلع صينية أخرى قيمتها 300 مليار دولار بحلول قمة أوساكا.

وفي اجتماع بوينس أيرس، وصف زعماء مجموعة العشرين التجارة والاستثمار الدوليين بأنهما "قاطرتان مهمتان للنمو والإنتاج والابتكار وتوفير الوظائف والتنمية، مضيفون:" نقر بالإسهام الذي قدمه النظام التجاري المتعدد الأطراف (للوفاء) لهذه الغاية".
وذكرت ثلاثة مصادر بمجموعة العشرين أن زعماء مالية المجموعة اتفقوا على وصف التوترات التجارية والجيوسياسية بأنها شديدة لكنهم فشلوا في التعبير عن الرغبة في حلها.
وبحث وزراء مال الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بقلق التوترات التجارية وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي، معتبرين أنها "خطر كبير" و"آثارها السلبية، فيما صدر الصوت الوحيد المختلف صدر من الدولة التي قلبت النظام التعددي، أي الولايات المتحدة المقتنعة بأن حملتها ضد الصين، إن أفضت إلى اتفاق، ستنقذ العالم.
وقال مسؤول ياباني كبير إن هذه المسألة هيمنت على مناقشات وزراء مال وحكام المصارف المركزية لأكبر اقتصادات في العالم، وعبرت دول عدة عن قلقها من المخاطر الكبيرة جدا لتصعيد في الحرب التجارية على النمو العالمي.
وحذر وزير المال الياباني تارو أسو الذي يترأس الاجتماعات في فوكوكا من "تآكل ثقة الأسواق إذا استمرت حالة الغموض" في المفاوضات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وذهب نظيره الفرنسي برونو لومير أبعد من ذلك، إذ قال لوكالة "فرانس برس" إن "خطر تحول هذا التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى أزمة اقتصادية عالمية بسبب التوترات التجارية حقيقي ويجب علينا التفكير فيه، لأن أي حرب اقتصادية سيكون لها تأثير سلبي مباشر في حياتنا اليومية ووظائفنا، نريد تجنبها بالتأكيد".

وناقشت مجموعة العشرين أمس للمرة الأولى إشكاليات مرتبطة بشيخوخة السكان وانخفاض الولادات، مثل زيادة تكاليف الرعاية الصحية والنقص في اليد العاملة والخدمات المالية الخاصة بالمسنين.
ولم يأت اختيار اليابان التي تترأس القمة لهذا الموضوع بشكل عشوائي، إذ قد تصبح قريبا أكبر بلد "فائق الشيخوخة" في العالم، ما يعني أن 28 في المائة من سكانها ستفوق أعمارهم 65 عاما، على أن تصل نسبتهم إلى نحو 40 في المائة في عام 2050.
وحرصت اليابان التي تعوق هذه المشكلة نموها الاقتصادي، على نقل خبرتها إلى الدول الأخرى، حيث دعت ثالث قوة اقتصادية في العالم شركاءها وبصورة خاصة الأسواق الأقل تطورا إلى التحرك قبل فوات الأوان.
وأكد وزير مالية اليابان تارو آسو "ما نقوله هو التالي: إذا بدأت آثار الشيخوخة الديموغرافية بالظهور قبل أن تصبحوا أغنياء، فلن يعود بوسعكم حينها اتخاذ أية إجراءات فعالة".
بدوره قال أنخيل جوريا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" على هامش الاجتماع المالي إنه إذا كان هذا التوجه يطول "العالم أجمع، فإن مجموعة العشرين تشيخ بوتيرة أسرع، ولا سيما أن هذا الاتجاه سيستمر، وأنا أخشى ذلك. وهو ليس أمرا نستطيع وقفه فجأة".
وفي البيان الختامي، قالت المجموعة إن "التغيرات الديموغرافية توجد تحديات وفرصا لكل دول مجموعة العشرين"، والمشكلة تتطلب "سياسات ضريبية ومالية ونقدية وهيكلية".