&محمود مراد

&هذه رسالة عاجلة لمن يهمه الأمر خاصة أشقاءنا فى السودان، وكذلك المنظمات والدول والشخصيات الحريصة على مستقبله. ومضمون الرسالة أن ارفعوا أيديكم عن السودان وقبل الإدلاء ببيانات ومطالبات من البلد الشقيق فان عليكم أولا ان تدرسوا الواقع والظروف والجذور والتداعيات التى يمكن ان تنشأ.

&وعلى سبيل التحديد فان المطالبة بسرعة تسليم الحكم للمدنيين وإجراء انتخابات نيابية تعد مطلبا مشروعا من الناحية الظاهرية، ولكنها فى واقع الامر تعيد السودان الى دوامة الدائرة الخبيثة التى سبق ان كتبنا عنها والتى تعنى دوران السلطة بين المدنيين والعسكريين دون مبرر ودون تقدم للوطن وشعبه، وعلى سبيل المثال والمقارنة الواقعية فان ما يجرى الآن شبيه ويكاد يتطابق مع ما كان يجرى منذ أكثر من ثلاثين عاما. ففى مارس 1985 تدهورت الحالة الاقتصادية وهبط سعر العملة وارتفعت الأسعار فكان ان خرج طلاب المدرسة الثانوية الصناعية فى الخرطوم بمظاهرات احتجاجية سرعان ما انضم اليها طلاب جامعة الخرطوم، ثم أعضاء القوة الحديثة اى النقابات المهنية والاتحادات وغيرها حتى افترش الشعب شوارع العاصمة كلها وكان الرئيس السابق جعفر نميرى فى الولايات المتحدة الأمريكية, فاجتمع قائد الجيش الذى كان وزيرا للدفاع وقتها الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب بقادة الجيش ولم يكن أمامهم سوى تشكيل مجلس عسكرى مؤقت لإدارة شئون البلاد، وذلك حماية لها وهنا وامام مطالبات القوى الحديثة والاحزاب التى لم تكن مشاركة فيما حدث وحفاظا على سلامة الدولة قرر المجلس العسكرى إجراء الانتخابات خلال عام واحد وبالفعل حدث وتشكلت حكومة حزبية ومجلس رئاسة مدنى فى ابريل 1986.

والمؤسف ان هذا الحكم المدنى رغم الاتهامات الموجه الى النظام الذى سبقه لم يقدم اى مسئول الى المحاكمة بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، بل أكثر من ذلك فانه قاد البلاد الى مرحلة صعبة للغاية حيث جرى تجميد علاقات مع دول الجيران التسع فيما عدا ليبيا القذافى، كذلك كانت العلاقات سيئة مع الدول العربية والاقليمية فيما عدا عراق صدام حسين وايران الملالى ولهذا فقد ساءت الأوضاع وفى عام 1989كانت توجد فى الجيش ثلاث مجموعات كل منها مدعومة بعدد من الأحزاب السياسية المدنية استعدادا للانقلاب وكانت مجموعة العميد عمر حسن البشير والتى سبقت فيما يسمى بجبهة الانقاذ 30 يونيو 1989.

واستكمالا للمقارنة فان مايجرى الآن بدأ بانهيار اقتصادى الى حد أن الدولار أصبح يساوى أكثر من سبعين جنيها فى ديسمبر 2018 ولم يكن قبلها بثلاثة اشهر يساوى اكثر من عشرة جنيهات وامام هذا التدهور واستغلال النفوذ واحتكار المقربين للحكم على الصفقات التجارية فقد خرج الشباب يوم 18 ديسمبر للتظاهر وانضمت اليه القوى الحديثة على نحو ما جرى 1985، وايضا دون مشاركة فعلية للأحزاب وتطورت الأمور الى أن قامت القوات المسلحة السودانية بدورها فى حماية الإرادة الشعبية وعزلت البشير في11 ابريل الماضى ووضعته ومجموعته فى سجن كوبر وتشكل المجلس العسكرى السابق الفريق اول عبد الفتاح برهان عبد الرحمن ومعه نائبه اللواء محمد حمدان وبدأ المجلس أعماله وبدأت الضغوط من الداخل والخارج بتسليم الحكم الى المدنيين عملا بالديمقراطية التى تمثل فى رأيى إشكالية متعارضة المفاهيم تضر أحيانا بالشعوب اذا لم يكن هناك فى الأساس وعى وفهم للواقع وملابساته.

وإضافة الى ذلك فنحن ضد دعوى العصيان المدنى لأن هذا يؤدى الى تعطيل حركة السودان وضرب الإنتاج فى كل المجالات، وبالتالى سيكون عبئا إضافيا فى المنطقة، واستكمالا للمقارنة فهل مطلوب الآن نفس ما حدث سنة 1985 اى إجراء انتخابات نيابية، وبالتالى وبسبب عدم وجود أحزاب جديدة قوية فان الأصوات ستذهب الى الاحزاب القديمة بل ايضا لأحزاب الإسلام السياسى وتكون الثورة قد تم اختطافها خاصة ان نشاطا هائلا سريا يحدث الان بواسطة قطر وتركيا ومخابرات دول أجنبية وإقليمية تكريس الانشقاق والانقسام بين أطياف الشعب السوداني.

وتؤكد التقارير ان اردوغان الذى سبق ان نصبته الجماعة الارهابية رئيسا للتنظيم الدولى ينشط الآن نشاطا محموما وهذا ما نلاحظه فى العمليات التى يقوم بها فى سوريا والأسلحة والذخيرة والطائرات بدون طيار الى ليبيا، وبالتالى فهو يبعث بأسلحة وذخائر منه ومن قطر الى السودان لكى تستعيد الجماعات الارهابية نفوذها الذى سقط تماما فى مصر.

وليس بغريب أن تنشط العمليات فى ليبيا، والسودان لكى تطعن مصر التى هى العقبة الكبرى امام تنفيذ المخطط الارهابى والذى يتفق بشكل مع استراتيجية الهيمنة والسيطرة الامريكية والاسرائيلية. ودون استطراد فان كل هذه الألاعيب مصيرها العدم لأن المنطقة وليست مصر فقط عصية على الركوع ولأن السودان بشعبه وقوته المسلحة أقدر وأقوى من فحيح الأفاعى.