عبدالله الحسني

&يسعى البعض ويستميت ويوظّف كلّ سمومه وجهله وصلفه الإساءة للمملكة، في الوقت الذي لا تني المملكة تبذل بسخاء وبحضور عميقين وإنسانيين غير عاديّين جهوداً عظيمة لا يستطيع أحد حجب شمس حضورها بغربال تنكُّر وحقد..

مثير للدهشة والاستغراب هذا التوظيف غير المُعقلَن؛ والفاقد للوعي والحصافة السياسية للحقد والعدوان والعنف الرمزي بشتى صنوفه، وبشكل مُبرمَج للإساءة لدولة بحجم المملكة العربية السعودية وعمقها الاستراتيجي والجيوسياسي؛ توظيف يهدف إلى تبخيسها والتقليل من أدوارها العظيمة؛ بل العمد أحياناً إلى شيطنتها وتحويلها إلى أسطورة شرّ. للأسف هكذا يسعى البعض ويستميت ويوظّف كلّ سمومه وجهله وصلفه، في الوقت الذي لا تني المملكة تبذل بسخاء وبحضور عميقين وإنسانيين غير عاديّين جهوداً عظيمة لا يستطيع أحد حجب شمس حضورها بغربال تنكُّر وحقد. للأسف هذا الواقع القاتم هو انعكاس لصورة بانورامية باهتة لعالمنا العربي وواقعه الهزيل إن على مستوى التأثير أو التلاحم أو حتى على مستوى الفكر والثقافة؛ فلا زال العرب تهيمن عليهم ضغوط الأيديولوجيا بكل تمظهراتها السلبية، وما زال ركام هذه الأيديولوجيا طاغياً على مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية لدولنا، ولم نفلت من تبعات وآثار هذه الهيمنة، فلا نهضة فكرية وحضارية تطوّرت وَنَمَتْ؛ وما زلنا نراوح بين جدلية وثنائية الغرب والشرق ومن تسبّب في ضعف وهوان الآخر، والمحصّلة خواء وتشرذم وتفكّك وعوائق ومتاريس تحول دون التفكير الفعّال ما سبّب تخلّفاً وغياباً لرؤية سياسية ناضجة وناجعة تقي شعوبنا غائلة التخبّط والفساد وهدر الجهود.

هذا العطب السياسي والفكري ما زال جاثماً على صدور أوطاننا العربية خصوصاً تلك ما زالت تكابد معاناة التشظّي وهيمنة الفكر ذي النزعة العصبية والمذهبية والعشائرية وهيمنة هذا الفكر الضيّق الأفُق الذي ما فتئ يكرّس الوهن للمؤسسات في تلك الدول مما تسبب في غياب مفردات وطنية واجتماعية مهمة كالوطن والمواطَنة الأمر الذي شكّل ثغرة وتحدّياً لكيان الدولة في ظل ارتهانها لفكر غوغائي قاصر لا يولي أهمية لمصالح وطنه وتماسكه ورفاهه المجتمعي ونموّه واستقراره؛ بل إنه يفاقم من عُزلته ويعيق ولوجه للمستقبَل الذي يستوجب قبل كل شيء انعتاقه من أسْر أصوليات من يدير مفاصله المهمة التي تفتّت -للأسف- بفعل صلافة وقصر نظر في نسيجه وتنخر بأنويّتها ومصالحها الفردية الضيّقة وتبعيّتها في جسد كيان وطنه المتهالك والمتضعضع أساساً ويزيده تشرذماً وانقساماً وذوباناً في محيط هادر من الضياع وفقدان البوصلة السياسية الموائمة للمرحلة العصيبة التي يمرّ بها عالمنا العربي وتحدياتها واستحقاقاتها المُلزِمة.

فحين نرى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل -وهو يطلِق بين الآونة والأخرى- فرقعات إعلامية ساذجة لا أثر إيجابياً لها على محيط أو بلاده أو مواطنيه؛ سوى جلب الفوضى وقيَم التفلُّت المُحتَملة، بل إنها بمثابة إسفين قد يدُكُّ ما تبقّى من تماسك بلاده ومتانته، فليس من الحكمة ولا الحصافة السياسية التعامل بهكذا غباء سياسي ضد أشقّاء ودول لها اليد الطولى والقِدح المُعلّى في استقرار وطنك بعد أن كان نهباً للفوضى وكاد أن يتشرذم ويتذرّر تحت نير الطائفية والحروب الأهلية لولا اتفاق الطائف التاريخي الذي أجهض تقوّض لبنان وانهياره. نعم غباء سياسي أن تحاول أن تستزلَّ أقدام بلادك لوحل الجحود والنكران ضارباً بعرض الحائط مصالح أبنائه ومغتربيه الذين يشاطرون إخوانهم البناء والمحبّة والعطاء مشاركة وتبادل منفعي نقيّ تحكمه قيم العمل ومواثيق الاحترام -والأُخوّة قبلها- وحسن الوفادة.

كل حصيف وسياسي ناضج يدرك أبجديات العمل السياسي وأعرافه ومحدّداته وأشراطه يعي أن التعاطي السياسي يجب أن يكون بِعُدّة سياسية ناضجة؛ قوامها الاحترام وإدراك المصالح العليا لبلاده والتقاطعات المشتركة التي تعزّز علائق الدول وتنمّيها وتجذّرها، بل تزيدها مع الأيام وتقادم العهد رسوخاً وتطوّراً على جميع المستويات؛ الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

موقف الوزير باسل؛ لا يختلف عن مواقف بعض الموتورين الحاسدين والناقمين سوى في درجة قبحها وفجاجتها؛ فقد رأينا من سقط المتاع الأخلاقي من ذوي العاهات الفكرية من يعتلي المنابر ومنصّات الحقد وهو ينفث نتنه وحقده وغلّه وغيرته من المملكة العظيمة؛ وتتّسع درجة قبحه وبشاعة نياته أن يطالب باقتسام الثروة والبترول معنا، وآخر لا يقل تجذيفاً وهلوسة يطالب بتدويل الحرمين والإشراف عليهما إلى غيرها من الهلوسات والهرطقات المضحكة والممعنة في سخريّتها؛سلوكيات ومظهريات تعكس بدائية في التصوّر والإدراك فضلاً عن قتامة وبشاعة الدواخل المنتنة بالغل والكره وفظاعة الحسد والغيرة وتمنّي زوال النعمة لمن اختصّهم الله بفضله ورحمته؛ وكأنّهم يعترضون على مشيئة الخالق الذي هو أعلم حيث يجعل حكمته. وكأنّ قدر المملكة العربية السعودية أن تتحمّل وزر حرمانهم وتخلّفهم. بل وتبلغ الوقاحة والانتهازية مبلغهما المستفزينّ حين تقابل وتجابه هذه المواقف التاريخية للمملكة وعطاءاتها السخية منقطعة النظير بالنكران والجحود وكأنها فرض لازب ولازم غير مدركين أنه عطاء نقي لا يخضع لأيديولوجية ولا أهداف سياسية أو دعائية رخيصة كما هي حال بعض دول الشّر وأذرعتها وأجنداتها الخبيثة؛ فعطاء المملكة عطاء يتغيّا الخير ويتقفّى هموم واحتياجات من تربطنا معهم علاقة الدين والجوار والدم والإنسانية.

إن مثل هذه المواقف الصادمة في نكرانها ولا أخلاقيتها تستدعي وقفة حكيمة ورشيدة من حكومات وقيادات المسيئين حتى لا تتّسع الشروخ؛ فالنكران والإيذاء النابع من غياب الحصافة الفكرية والسياسية ما إن يلجان في علاقات الدول وسياساتها إلاّ ويُقحِلان أرضها ويجعلانها جرداء من كلّ شيء إلا الضياع والخسران والعزلة.

إن الحماقة التي أعيت من يداويها بحاجة لوقفة لجرد الحسابات بين الدول ومواقفها الرسمية حتى لا يكون الفضاء بمدلوله العام مسرحاً لبهلوانيات سياسية ومغامرات صغار لا يدركون عواقب الأمور ومآلاتها؛ فالوقت أثمن من أن يُهدَر بين الدول والشعوب في مواقف لا أخلاقية تتصدّر فيها منصّات البذاءة وقواميس الجحود وعفن الناعقين الموتورين؛ مواقف قد ترتدّ على أصحابها عنفاً رمزيّاً وماديّاً يستجِرُّ في لحظة من تغوّله الشرس عنفاً أهلياً رديفاً غير مأمون العواقب على شعوبها التي هي من سيدفع الثمن بسبب حماقات سياسية وجهل بعواقب الأمور.