&إبراهيم غرايبة

مرت قبل أيام قليلة الذكرى 52 لحرب الأيام الستة يونيو 1967، وبرغم هذه السنوات الطوال التي أعقبت الحرب فمازالت متوالياتها السياسية والاستراتيجية تعمل بلا توقف ولا انتهاء وكأنها لم تزل دائرة، وإنه من الملفت أن الجبهة العربية الإسرائيلية في الفترة 1948 – 1967 مرّت بمرحلة من الركود والاستقرار، وكان ممكنا لولا الحرب أن يمضي الإقليم والعالم في تراتيب وعلاقات تقليدية أو طبيعية كما يحدث دائماً بعد الحروب في التاريخ والجغرافيا.&
يقول السياسي والأكاديمي الإسرائيلي «ميشيل أورين» في كتابه المهم «ستة أيام من الحرب: حزيران 1967 وصناعة شرق أوسط جديد» إنه لو تجنب العرب والإسرائيليون الحرب وكان ممكنا تجنبها لمضى الإقليم في وجهة من الاستقرار والتسويات الملائمة والمرضية للأطراف، لماذا يبدو اليوم أن سلاماً ترضى عنه الشعوب فكرة بعيدة المنال؟&

لقد كان النصر تحديا مرهقا لإسرائيل لا يقل في تصدعاته عن تحدي الهزيمة التي لحقت بالعرب، فلم تكن تريد إسرائيل في رؤية آبائها المؤسسين أن تكون في حالة حرب حتى لو انتصرت، ذلك أنها ببساطة لا تحتمل هزيمة واحدة أو أنها هزيمة ستكون النهاية، وقد يبدو ذلك كما قالت مرة جولدا مائير إن أقوى سلاح تمتلكه إسرائيل أنه لا يوجد لدى الإسرائيليين مكان آخر يذهبون إليه، لكن ذلك يعني ببساطة أن استقرار إسرائيل وقدرتها على البقاء يعتمد على السلام وليس التفوق العسكري، وأن فرصة اليهود في الخروج من الشتات أو ألا تتكرر الهولوكوست مرة أخرى في قدرة على الاندماج الحقيقي المنشئ لأسواق ومجتمعات ومصالح وأعمال راسخة ومتشابكة، كيف نضمن ألا يتكرر الهولوكوست؟، كان هذا هو السؤال الحاكم والحاسم للسياسيين الإسرائيليين، ولأجل ذلك لم يكونوا يريدون الحرب، وربما كان ليفي اشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي في أثناء الحرب أقل الإسرائيليين سعادة بالانتصار، لدرجة أنه مات في نوبة قلبية عام 1969 ربما كانت نوبة بسبب التداعيات والتوتر الذي لحق به في أثناء وبعد الحرب.&
كل الجنرالات الإسرائيليون الذين دخلوا الحروب عندما تحولوا إلى السياسة تحولوا إلى دعاة ورواد سلام، كأنما كانوا يغصّون بالانتصار، موشي دايان وزير الحرب والدفاع قائد النصر في حزيران، استقال من حزبه (العمل) ليشارك مع مناحم بيجن رئيس حزب ليكود في مشروع التسوية السياسية الذي بدأ

باستضافة أنور السادات في القدس عام 1977 ثم استقال من حكومة بيجن ليشكل حزبه الخاص القائم على فكرة انسحاب من طرف واحد من الضفة، لكنه مات بالسرطان عام 1981.
ورابين الذي اعتبر صانع النصر الإسرائيلي، وحظي بشعبية إسرائيلية أكثر من دايان، استقال من الجيش ليدخل السياسة، ومضى في عام 1992 في السلام مع الفلسطينيين والعرب إلى حد أن يقتله أحد المتطرفين الإسرائيليين، ويقول «أورين» لقد وجدت في جيبه قصيدة أغنية السلام التي كان يريد أن يلقيها مغناةً على نحو جماعي مع المحتفلين،..
ما من أحد يعيدنا، من أعماق قبورنا الظلماء، رعشة النصر هراء، أنشودة المدح هباء، فلنغنّ للسلام، ليس همسا نبتهل، بل نغني للسلام، صادحين بالأنغام.&
و«عزرا وايزمان»، الذي كان عسكرياً معارضاً للانسحاب الإسرائيلي، شارك في حكومة بيجن وزيرا للدفاع، ووافق على انسحاب إسرائيلي كامل من سيناء، وتحالف فيما بعد مع حزب العمل ليمضي أكثر من غيره في السلام.
ينسب «أورين» إلى أشكول قوله للرئيس الأميركي جونسون عندما التقاه عام 1968: «سيدي الرئيس ليس لدي إحساس بالتفاخر بالنصر، ولم أدخل معترك النضال من أجل السلام بوصفي منتصرا، إن شعوري هو الارتياح لأننا نجونا من كارثة حزيران، ولهذا إنني أشكر الله، وكل أفكاري متجهة نحو التوصل إلى سلام مع جيراننا، سلام مشرف بين متكافئين». واضح أنه يريد مفاوضات مباشرة تقود إلى معاهدة سلام.&

هل غيرت الحرب الشرق الأوسط؟ يقول «أورين» إن الحرب فتحت الباب لحرائق مميتة إضافة إلى فرص السلام التي أنشأتها، لم تقدر إسرائيل برغم انتصارها أن تتوصل إلى اتفاقية سلام، وظلت القضايا الجوهرية عالقة بلا حلّ،..&
ثم ويا للهول دخل الشرق الأوسط في حالة غير مسبوقة من العنف والتطرف، إذ صعدت الأصوليات واليمينيات المتطرفة وبثت الكراهية والخوف في المنطقة وفي العالم كله، وقد يبدو أنه لن تكون هناك حرب تقليدية بين الإسرائيليين والعرب كتلك الحروب التي نشبب عام 1967 وفي العام 1973 لكن خطر العنف وعدم الاستقرار يهدد المنطقة على نحو لا يقل سوءا وخطرا عن الحرب!
&

&

&