نظرنا بشكل سريع إلى معدلات إنتاج النفط لدول الخليج، فوجدناها تقريباً تفوق أربعة أضعاف إنتاج الجمهورية الإيرانية، وبالمنطق يجب أن نكون أقدر منها في بسط نفوذنا على المنطقة، إلا أن إيران بسطت نفوذها على العالم أجمع وبضغط من برنامجها النووي! فهل نحن نبدد ثرواتنا أم نفشل في سياساتنا؟! أو كلاهما معا؟! تصفحنا التاريخ، فوجدنا أن إيران لم تنتصر في أي حرب منذ الثورة، فحرب الثماني سنوات مع العراق لم يحدث فيها سوى ثلاث معارك ثم انتهت بالتعادل، فإيران ليست لديها القدرة على المواجهة العسكرية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، فاقتصادها في الحضيض ومعدلات الفقر في ازدياد ووجود مفاعلها النووي خطر عليها قبل أن يكون علينا، مما جعلها بعد الحرب العراقية تغير مفهوم تصدير الثورة عسكرياً إلى ما أشبه بالحرب الباردة ضد دول المنطقة ونجحت نجاحاً باهراً، وعلى محورين: الأول شبيه لما تحدثت عنه فرانسيس ستونز في كتابها «الحرب الباردة الثقافية» بالمساعدات الأميركية لكسب الشعوب حتى لا تقع في تحالف مع الشيوعية، وهو ما قامت به إيران بالتحديد لبسط نفوذها الثقافي والعقائدي في دول الجوار؛

فتوغلت في العراق وسوريا ولبنان، وفي دول الخليج أيضاً، وهو ما ذكرناه في مقال نشرناه في أغسطس 2006 بعنوان «هل حكومتنا قادرة على مواجهة حرب باردة». والمحور الآخر الحرب الباردة التقليدية بالمساعدات العسكرية للعرقيات الموالية في تلك الدول مدعومة بنفس طائفي، كما يحدث في دول الخليج منذ الحرب العراقية الإيرانية، ويصادف غداً من عام 1986 ذكرى ثلاثة تفجيرات متزامنة حدثت بمجمع نفط الأحمدي لآبار نفط وشبكتي خطوط أنابيب حكم فيها على ستة كويتيين موالين لإيران بالإعدام. أما في دول الجوار، فكانت الحرب الباردة على أصولها في بناء قواعد تتحكم في النظام السياسي في لبنان وسوريا والعراق واليمن. في الحقيقة إن عنوان مقال اليوم قد استخدمناه منذ عشر سنوات لمقال نشرناه في سبتمبر 2009 حذّرنا فيه السياسيين، الذين يغوصون في سبات عميق، مما نشاهد من تحول خطير لإيران في بسط النفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية، ناهيك عن شبكات التجسس، كما حذّرنا حينها من نفوذهم في اليمن، لتتحقق كل مخاوفنا، وهو ما أدى للإسف للاحترام الأميركي الواضح لإيران، التي وصفها الحاكم المؤقت للعراق بول بريمر بأن لديها عنواناً واحداً، في إشارة لمحاولة تفكيك مجلس التعاون الخليجي التي ربما نجحت سياسة إيران في إحداث شرخ فيه. لقد قال عراب السياسة البريطانية ونستون تشرتشل «في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة»، وهذه هي الفلسفة التي تعتنقها أميركا والتي أدت إلى صفقات في الخفاء من تحت الطاولة مع إيران، في حين كان الخطاب الإعلامي عدائياً على مدى عمر الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، فسلموها أفغانستان ولبنان والعراق وسوريا، وفشلوا في البحرين، والآن قد يسلمونها اليمن على الرغم من تهديدات ترامب لنشاطها المعادي بمضيق هرمز الذي يبدو استمراراً لعلاقة المصلحة المؤقتة.

&