&FINANCIAL TIMES

العائلون «العزاب» يواجهون تحدي البقاء على رأس العمل

&FINANCIAL TIMES

& فالنتينا رومي وجانينا كونبوي&&

بعد انتهاء زواجها، انتقلت جوان جيكوبس التي تبلغ 40 عاما، من الولايات المتحدة إلى لندن، حيث يعيش بعض أفراد أسرتها.
وهي تعيش الآن مع ابنة تبلغ من العمر ثلاثة أعوام، وتعمل مستشارة بدوام كامل.
لقد انضمت للصفوف المتزايدة من الآباء والأمهات العزاب الذين يعملون في بريطانيا – وهي فئة تشكل ما يصل إلى 69 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام، من أصل 44 في المائة في عام 1996.
هذه الزيادة هي جزئيا نتيجة مبادرات السياسة الحكومية المستهدفة. في أواخر التسعينيات، أدخلت الحكومة البريطانية برنامج الصفقة الجديدة للآباء والأمهات العزاب، الذي كان يهدف إلى الحد من البطالة من خلال تقديم تدريب ووظائف مدعومة وأعمال تطوعية للعاطلين عن العمل.
ومن ثم في عام 2003، أدخلت الحكومة الإعفاءات الضريبية للعمال، وهي أحد المنافع التي تقدم للذين يقل دخلهم عن مستوى معين التي ساعدت على زيادة الأجور.
السقوف اللاحقة المفروضة على استحقاقات البطالة إلى أن يعمل العامل 16 ساعة أسبوعيا، نقلت مزيدا من الناس، بمن فيهم الآباء الوحيدون، إلى سوق العمل.
وعلى الرغم من الزيادة في عدد الآباء والأمهات العزاب في بريطانيا ممن انضموا إلى سوق العمل، إلا أنهم لا يزالون يشكلون نسبة أقل بكثير من نظرائهم الأوروبيين.
في عام 2018، كان معدل التوظيف بين هذه الفئة في بريطانيا أقل بـ10 في المائة عن المعدل الخاص بعامة الناس، وفقا لإحصائيات رسمية نشرت في نيسان (أبريل) الماضي. وهذه هي الفجوة الأوسع نطاقا في الاتحاد الأوروبي، ما عدا مالطا.
معدل التوظيف الضعيف لهؤلاء الأشخاص هو لافت للنظر بصفة خاصة نظرا إلى سوق العمل الأقوى في بريطانيا، ما يؤدي إلى حدوث فجوة أوسع نطاقا في بريطانيا بين الآباء والأمهات العزاب وعامة السكان، عن تلك الموجودة في بقية الاتحاد الأوروبي.
في عموم منطقة اليورو في العام الماضي، كان 74 في المائة من الأمهات والآباء العزاب يعملون في وظيفة ما، وهي نسبة أعلى بـ5 في المائة عن النسبة الموجودة في بريطانيا. في ألمانيا، بلغت نسبة التوظيف بين الآباء والأمهات العزاب 77 في المائة.
في بريطانيا، هناك تحديات لا يستهان بها تواجه هؤلاء الناس الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجور، ممن يحاولون الاحتفاظ بوظيفة ذات أجر أفضل.
يسهم ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال وعدم وجود أعمال تتسم بالمرونة في جعل معدل التوظيف بين الآباء والأمهات العزاب في بريطانيا هو الأدنى بالنسبة لأي اقتصاد رئيس في الاتحاد الأوروبي.
وهي تحتل المرتبة 22 بين دول الاتحاد الأوروبي 28.
علاوة على ذلك، وبغض النظر عما إذا كانوا يعملون أم لا، هنالك عدد أكبر من هؤلاء الأشخاص الذين يعانون الفقر في بريطانيا، مما هو موجود في أي بلد آخر من دول الاتحاد الأوروبي.

قضايا رعاية الأطفال

يسهم الافتقار في وجود نظام رعاية أطفال مرن بأسعار معقولة في ابتعاد الآباء والأمهات العزاب عن سوق العمل والبقاء تحت وطأة الفقر.
وفقا لاستبيان من وزارة التعليم في بريطانيا، فإن نحو نصف الأمهات العازبات غير العاملات ليست لديهن وظائف بسبب قضايا رعاية الأطفال أو المرونة.
وتقول اثنتان من كل ثلاث أمهات عازبات غير عاملات في بريطانيا إنهن سيحصلن على عمل، إن وجد نظام رعاية أطفال بنوعية جيدة وأسعار معقولة.
على سبيل المثال، لا تستطيع السيدة جيكوبس، رغم دخلها الجيد، تحمل تكاليف العيش بمفردها في منزل يقع بجوار مدرسة ابنتها.
لكي تستطيع تغطية النفقات، تفكر في العيش مع أم وحيدة أخرى لتتقاسم معها تكاليف السكن ورعاية الأطفال.
وتقول إن رعاية الأطفال في الواقع "لا تتضمن فقط رعايتهم اليومية خلال ساعات العمل فحسب، بل أيضا في حال تعين عليك السفر من أجل العمل، أو كنت مريضا، أو أردت قضاء ساعة أسبوعيا في قاعة التمرين أو التواصل مع الناس اجتماعيا بين الفينة والأخرى، بعيدا عن المنزل".
اضطرت بيترينا كيو للانتقال من أجل تخفيف تكاليف رعاية الأطفال. وبعد أن أصبحت تعمل حاليا لدى شركة للتكنولوجيا، أصبحت أما عزباء عندما بلغ ابنها الثانية من عمره.
عندما انفصلت عن زوجها، كان كل منهما يعمل في وظيفة بدوام كامل وكانا يوظفان مربية أطفال خارج أوقات الدوام.
استمر شريك السيدة كيو بتقديم المساعدة من خلال مدفوعات القرض العقاري، لكن بمجرد أن قررا بيع منزلهما وقطع العلاقات المالية بينهما، أصبحت بحاجة إلى تمويل القرض العقاري ورعاية الأطفال بمفردها.
وتقول: "أصبح من المستحيل بالنسبة إلي الاستمرار في دفع تكاليف رعاية الطفل بدوام كامل، بمجرد أن أصبح لدي مرتبي فقط والحد الأدنى من تكاليف الرعاية التي يمكنني الاعتماد عليها. كيف كان يمكنني خفض تكاليف رعاية الطفل لو لم أتمكن من الانتقال إلى مكان قريب من أسرتي؟ التي تعيش في الطرف الآخر من البلاد".
لدى هانا هولي، التي تبلغ من العمر 24 عاما، طفلان يبلغان من العمر عامين وأربعة أعوام، وهي تعمل الآن بدوام كامل لدى "ماكدونالدز". وقد استطاعت الانضمام مرة أخرى إلى سوق العمل بفضل برنامج مدته ستة أشهر ومقدم من جمعية نحن نهتم بالفجوة We Mind the Gap، وهي منظمة خيرية تساعد الشابات على العودة إلى العمل من خلال دعم الدولة.
كانت عملية الانتقال صعبة. السيدة هولي، التي تحصل على القليل من الدعم من أسرتها، واجهت معاناة كبيرة في الحصول على نظام رعاية متكامل لابنها عندما ينهي يومه الدراسي في المدرسة.
في نهاية المطاف، تمكنت الحضانة التي تدرس فيها ابنتها من تقديم خطة دعم مناسبة وإحضار ابنها من مدرسته، إلى أن يحين موعد انتهاء الدوام. لا تعيش السيدة هولي في منطقة يوجد فيها فرع لمركز شور ستارت للأطفال، وبالتالي فقدت ذلك الدعم والرعاية التي يقدمها ذلك المركز.
تم تأسيس مراكز شور ستارت قبل 20 عاما من قبل حكومة حزب العمال لإيجاد الرعاية المبكرة والدعم للأسر، إلا أنه قد تم إغلاق 500 منها بسبب التخفيضات في ميزانيات الحكومات المحلية.
نظام الضمان الاجتماعي الشامل يزيد الأمور تعقيدا. هذا النظام يسدد ما نسبته 80 في المائة من تكاليف رعاية الأطفال التي تتحملها السيدة هولي، لكن إن غابت عن العمل يتغير المبلغ الذي تحصل عليه، ما يجعل من الصعب وضع ميزانية. توضح قائلة: "أنا شخص يحب التخطيط. بمجرد أن تصاب بالمرض وتغيب عن العمل ليوم واحد، يبدأ المبلغ بالتغير".

الأمهات الشابات

في الوقت الذي يوجد فيه آباء وأمهات من العزاب في كل فئة من فئات الأجور في بريطانيا، هنالك أعداد أكبر نسبيا من الأمهات الشابات والأمهات ذوات المستوى التعليمي الأدنى، مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وفقا لبيانات التعداد الإحصائي الواردة من وكالة "يوروستات"، هناك نحو 17 في المائة من الآباء والأمهات العزاب في بريطانيا، هن دون سن 30. وهذا يقارن بإسبانيا وإيطاليا التي تصل النسبة فيهما إلى نحو 4 في المائة، وبفرنسا وألمانيا التي تصل النسبة فيهما إلى 9 في المائة.
وهناك نحو أسرة من ثلاث أسر لديها أمهات من ذوات المستوى التعليمي الأدنى هن من الأمهات العازبات - النسبة هي الأعلى ضمن دول الاتحاد الأوروبي - ما عدا لاتفيا - وفقا لبيانات من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كلوي إي بيرد، أخصائية اجتماعية عليا في مؤسسة راند، وهي مركز فكري أمريكي، تقول إن الارتفاع في نسبة الأمهات العازبات مرتكز بشكل غير متناسب بين النساء ذوات المستوى التعليمي الأدنى، أو اللواتي كن صغيرات السن وقت إنجاب الأطفال.
حين يكون لدى الشخص مستوى تعليمي متدن فإن ذلك يشكل عائقا أكبر أمام التوظيف بالنسبة إلى الآباء والأمهات العزاب في بريطانيا عما هو في الدول الأخرى.
أقل من نصف هذه الفئة في بريطانيا ممن يحملون مستوى تعليميا أدنى لديهم وظائف. مع ذلك، يحصل عدد أقل من الذين يحملون درجة علمية على عمل عند المقارنة بعامة السكان، من ذوي المستوى نفسه من التعليم.

الجوانب العملية الأخرى التي توجد عوائق أمام العمل تشتمل على مشكلات التنقل والافتقار إلى وجود فرص عمل تتسم بالمرونة.
السيدة هولي لا تستطيع قيادة السيارة، وخلال فترة التدريب التي نظمتها مؤسسة نحن نهتم بالفجوة، احتاج منها أحد المراكز المؤقتة استخدام ثلاث حافلات مختلفة للرحلة. حتى إن كان الوالد الأعزب أو الأم العزباء قادرة على قيادة السيارة، ربما لا تستطيع تحمل تكاليف امتلاك سيارة.
تم الاستغناء عن خدمات السيدة كيو أثناء الانتقال من منزلها. وحيث إنه لم يكن بمقدورها أن تظل بلا عمل لفترة طويلة، لذلك بدأت العمل لحسابها الخاص في الوقت الذي تواصل فيه عملية البحث عن وظيفة تتسم بالمرونة.
وفي النهاية، عثرت على وظيفة جيدة تتسم بالمرونة، لكن الأمر لم يكن سهلا. تضيف قائلة: "أردت أن أصبح أكثر قدرة على العمل من المنزل، وقضاء مزيد من الوقت مع ابني، ووقت أقل في رعاية الأطفال. العثور على عمل بهذه المرونة كان صعبا للغاية".
تساعد الإعفاءات الضريبية إلى حد معين فقط، فهي مصممة بطريقة "تحفز فيها الآباء والأمهات العزاب بشكل قوي جدا على العمل لمدة 16 ساعة أسبوعيا على الأقل"، كما يقول توم ووترز، وهو اقتصادي لدى معهد الدراسات المالية:" بالعمل أكثر من 16 ساعة، تكون الحوافز أضعف بكثير".
عائلات الآباء والأمهات العزاب تشكل تحديا لا يستهان به بالنسبة لبريطانيا، لأنها تشكل حصة أكبر من الأسر التي لديها أطفال عما هي الحال في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
إن نحو 22 في المائة من الأسر التي لديها أطفال في بريطانيا يوجد فيها أب أعزب أو أم عزباء، بينما يبلغ المتوسط في الاتحاد الأوروبي 15 في المائة.