& صفوق الشمري

حاول كثير من السياسيين الأوروبيين السذج، لسنوات أن يقنعوا هتلر بالسلام، وهو كان يستهزئ بهم ويسمعهم ما يريدونه ويفعل ما يريده!، وبدأ بالتهام الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى، وفي ذلك الوقت كان هناك سياسي بريطاني يدعى تشامبرلين (رئيس الوزراء) حاول أن يقنع هتلر من خلال سياسة التنازلات والترضية، ولم ينجح الأمر في كبح جماح طمع هتلر، إلى أن أتى ونستون تشرشل ووقف بصلابة أمام هتلر، وكان السبب في تغيير مصير أوروبا وحرر بلدانها، وأصبح واحداً من أعظم الشخصيات في تاريخ بريطانيا، بينما تشمبرلين أصبح يضرب به المثل في السذاجة. يقول تشرشل للذين حاولوا أن يطالبوا بالمفاوضات والترضيات مع هتلر، «لا يمكن التفاوض مع النمر ورأسك داخل فمه»، وهذا فعلا يخالف المنطق.

احتفل الأوربيون قبل أسابيع بيوم إنزال الحلفاء في النورماندي أو «دي-داي»، ولكن بعض السياسيين الأوروبيين لم يستخلصوا العبر والدروس من هذا اليوم والتاريخ، ليس كل شيء يمكن أن تحله بضبط النفس والمفاوضات، إلا عندما تتعامل مع إرهابيين أو دول مارقة مثل هتلر ومثل إيران.

إيران منذ ما يقرب أربعين سنة وهي في حرب مع الخليج والعالم، أكبر ممول للإرهاب العالمي بشهادة الجهات الدولية التي تراقب تمويل الإرهاب، تحاول التوسع في العالم من خلال وكلاء لها في الدول العربية والعالم، لا يوجد شيء تعمله المنظمات الإرهابية لم تفعله إيران، تفجيرات في لبنان والخبر، خطف طائرات كما الجابرية، تهريب مخدرات، وشبكة حزب الله في الشرق الأوسط وأميركا خير شاهد. أربعون سنة احتراف إرهاب، حاول المجتمع الدولي خلال أربعة عقود تغيير السياسة الإيرانية دون جدوى، حاول الأوروبيون مساعدة إيران من خلال المباحثات والاتفاق السيئ الذكر 6+1، وكانت النتيجة أن إيران حاولت تفجير باريس، وهناك مؤامرات في عدة عواصم أوروبية، في النمسا وبلجيكا بشهادة الأوروبيين أنفسهم، لكن رغم كل هذا، يبدو أن بعض الأوروبيين يعشقون الملالي مثل الملا فردريكا مورغيني.

الآن إيران بدأت حرب الناقلات كما فعلت سابقا، ولا يوجد شك لدى أي سياسي أن إيران المسؤولة، لكن بعض الأوروبيين واليساريين، يريدون أن يستخدموا تكنيك النعامة حتى لا يروا الشمس، بل إن بعضهم برر الأعمال الإرهابية كما كان يفعل الإرهابيون، وتتفاجأ بأن مسؤولين أوروبيين يقولون، إن إيران تم استفزازها، يعني لا يهمه مهاجمة سفن مدنية وتعريض طاقمها للخطر!.

تقريبا نفس حجج القاعدة لما كانت تهاجم الأهداف المدنية البريئة. طبعا بعض الأوروبيين لا يهمهم المنطقة لو احترقت عن بكرة أبيها، هم يؤمنون بالأمر الواقع، أو بالأحرى، هم أجبن من أن يتدخلوا، وسورية مثال واضح لما قد يحصل.

إيران ستواصل التصعيد حاليا، وأذكر قبل سنوات عديدة في نقاش أكاديمي عن الحرب غير التقليدية لإيران، كنا نقول إن إيران قد تهاجم المنصات البترولية في الخليج، وإن تركيزها حالياً على حروب ما تحت الماء لعدة أسباب، منها أن هناك معلومات كانت تظهر أن إيران تدرب الضفادع البشرية في قواعدها لحرب تخريبية تحت الماء، وأنه من الصعب إثبات التخريب. وهناك أيضا أن الخليجيين لا يملكون سلاح غواصات، ولم تكن هناك جدران إلكترونية لحماية المنصات النفطية، بالإضافة إلى أسلوب إيران المعروف بما يسمى أسراب القوارب السريعة، وأيضا القوارب الانتحارية المسيرة عن بعد. كنت أقول حتى حرب الناقلات قد تعود للواجهة في المستقبل، وعاكسني البعض في ذلك الحين بالقول: نحن في الألفية الثانية ولن تعود أيام الثمانينات. وقلت لا تستغربوا أي شيء من النظام الإيراني، فالتفكير لديه ليس كدولة بل أشبه بالعصابة، والابتزاز شيء عادي عند النظام الإيراني. ورد الأغلبية بأن هذه مبالغة، وهذا هو التاريخ يعيد نفسه. زملائي الأكاديميين للذكرى نقاشنا قبل سنوات.

كيف للعالم أن يتحمل الجنون الإيراني إذا لا قدر الله امتلكوا سلاحا نوويا!! إن مسؤولية كبح النظام الإيراني تقع على عاتق الخليجيين، وليس غيرهم لأنهم هم الجيران الأقرب لجار السوء النظام الإيراني، وإذا تضرر أحد سيكون الخليجيون أولا، أما بقية العالم فتتاجر بالشعارات. كل يوم يمر يثبت للعالم ويؤكد على صدق نظرية وأفكار معلمنا كينيث ولتز، لو كان حياً لرأى ما توقعه يحدث بحذافيره. فها هو مجتمع دولي متعدد الأقطاب يدخل النظام العالمي في مرحلة الفوضى، الجميع يبحث عن مصالحه، ولا توجد سلطة أعلى من الدول لكي تقوم بعمل شرطي أو قاض للحكم بين الدول. الدول الكبرى تبحث عن مصالحها، والصغرى تريد البقاء على قيد الحياة، وكل دولة يجب أن تبحث عن بقائها، ويجب أن يكون ذلك هو هدفها الأسمى، أي أصبح الوضع «اخدم نفسك فأنت مسؤول عن سلامتك» في هذا المجتمع الدولي الفوضوي أو الاستغلالي، وبالتالي ستكون الحروب بكل أنواعها هي الطريقة لحل النزاعات، وبناء عليه، على الخليج بناء إمكاناته وتجميع أوراقه. منذ سنوات وأنا أدعو إخواني الخليجيين، ودعوتهم مرارا وتكرارا في مقالات خلال الأسابيع الماضية، إلى العمل بقوة لإنشاء ما يشبه غرفة حرب وتحكم، لبدء حرب غير تقليدية، لا أحد سيلومهم عليها، وشن هجوم اقتصادي أمني سياسي استخباراتي إعلامي على النظام الإيراني بشكل مستمر. الأسلوب القديم بحسن الجوار ورد الفعل لم يؤت أكله منذ أربعين سنة. لا أرى أن المجتمع الدولي مستعد لحساب إيران، خصوصا في وجود التردد الأوروبي والحرب اليسارية- الترامبية في أميركا.

اضربوا أذناب إيران (دكا دكا) في اليمن وغيرها، لا تدعوهم يستنشقوا الهواء كما حدث بعد إيقاف هجوم الحديدة وتجرؤوا بقوة وأعادوا تجميع قواهم. إن أي محاولات للتوصل لسلام مع الحوثيين الحاليين، الذين قرارهم ليس بيدهم، هو ضرب من الخيال. إخواني، كم هي نسبة إمكانية أن النظام الإيراني بعد أربعين سنة من المشاكل والاعتداء والإرهاب، يعود إلى الرشد؟ أقولها بصراحة حوالي 0% ما لم تتغير الظروف ويحس بأنه سيسقط، لماذا يراهن بعض الإخوة الخليجيين على 0%؟ اعلموا أن الحرب ستقع غداً واستعدوا لها، فأعتقد أن النظام الإيراني بعد الخنق الاقتصادي الحالي، سيصعد أكثر، ولا أستغرب تفجير المنشآت النفطية في الخليج أو غيره. لا بد من إيجاد خطط للرد السريع، وأخذ زمام المبادرة، لم يعد واحداً من الخيارات، بل أصبح هو الخيار. ودائماً استعدوا للسيناريوهات، حتى الأسوأ منها، من الجنون السياسي والتخبط الذي أصبح علامة النظام الإيراني.