& محمد بن صقر

ما يسهل مهمة أي نشاط دعائي في تشكيل معارف الجمهور المستهدف هو عدم تأهيل الجمهور، فلا زالت الجماهير فريسة لما تصوره لها وسائل الإعلام التي تحاول خلق سيناريوهات متكررة وبأشكال مختلفة مضمونها أنها تذكر هذه الجماهير بأن ما تفعله دائما هو لصالحها ولصالح دولتها، وبذلك تقوم بدفع الجماهير إلى اتخاذ مواقف وحصول استجابات من دون مجهود وعناء، ولذا نجد أن ما تطرحه الماكينة الإعلامية الإيرانية يسعى وضمن جزء من مخطط دعائي إلى خلق نوع من التضليل والخداع والكذب ويطلق عليه (disinformation) أو التضليل واختلاق القصص الكاذبة.

هذا ما تمارسه وسائل الإعلام الإيرانية متخذة من النموذج السوفييتي مثالاً يحتذى في ممارستها لهذا المفهوم، فخلال الحرب الباردة كان عدد الأشخاص في الكتلة السوفييتية الذين يعملون في آلية المعلومات المضللة أكثر من الجيش السوفييتي وصناعة الدفاع، وكان لمجتمع الاستخبارات التابع للكتلة وحدها أكثر من مليون ضابط، وعدة ملايين من المخبرين في جميع أنحاء العالم، شاركوا جميعاً في خداع الغرب – وشعوبهم – وأيضا يضاف إليهم الأشخاص الذين يعملون لصالح منظمات التضليل الدولية التي أنشأها الـ(KGB) سراً، وكانت هذه المنظمات تقع خارج الاتحاد السوفييتي، وتتظاهر باتخاذ كيانات دولية مستقلة، ونشرت صحفها باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ومن بين تلك المنظمات (مجلس السلام العالمي الذي له فروع في 12 دولة - والاتحاد العالمي لنقابات العمال - والاتحاد النسائي الديمقراطي – والاتحاد الدولي للطلاب – والاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي)، وهذا ما تقوم به إيران من خلال قنوات وكيانات تدّعي الاستقلالية وتحت مسميات مجتمع مدني أو نقابات أو جمعيات أو منظمات غير ربحية، تدعمها بذلك الماكينة الإعلامية الإيرانية التي تحاول جاهدة فرض أفكار وآراء معززة ذلك بأدلة تصور بأنها حقيقة أمام شعوبها المضللة، وبعض الشعوب العربية التي سيطر عليها الخطاب الإعلامي الفارسي (مثل العراق – سورية - لبنان - اليمن)، وتطلق شعارات تتوافق مع التعاطف الفكري لهذه الشعوب في العداء لإسرائيل وأميركا، ويضاف إلى ذلك ما قدمته بعض القنوات العربية والمرتزقة الإعلاميين وقيامهم بتصدير شعارات النظام الإيراني الكاذبة معتمدة بذلك على عناصر (التضليل – والتشويه – وصرف الانتباه – والتفريق)، فتجد بعض القنوات العربية مهمتها تشويه الشخصيات والمواقف السياسية وخلق متناقضات بين السيناريوهات والحقيقة لجعل الجماهير متعطشة دائما للأخبار، وصنع نوع المعارف التي يحتاجها الجمهور بغض النظر عن مصداقيتها، ثم يتبع ذلك ضخ قصص وأخبار كاذبة، تهدف إلى التضليل والخداع، وهذا أصبح جلياً وواضحاً في قنوات تحمل النَفَس الفارسي مثل قناة الجزيرة وبرامجها المخصصة لمثل هذا النوع من الدعاية والتضليل.

كما أن بعض القنوات والإعلاميين أنيط بهم دور التضليل لحشد الجماهير الإيرانية وإيهامها بأن السياسة الإيرانية هي السياسة التي تخدم شعوب المنطقة، فتصور أن إيران قادرة على التفاوض مع القوى العظمي، وأنها قادرة على بناء قوة صاروخية مدمرة، واستغلت بذلك بعض المرتزقة لتمرير مثل هذا التصور، وهؤلاء المرتزقة لم يدافعوا يوماً عن قضيتهم الأساسية ولن يدافعوا، وإنما تجدهم يدفعون وبشراسة عن مصالحهم المالية التي يتقاضونها من إيران، وهؤلاء سرعان ما سيتغيرون.

أما بعض هذه المؤسسات الإعلامية والصحف فتهتم ببث الفرقة وإخراج أبناء المجتمع الواحد من مفهوم المواطنة إلى مفهوم الطائفية والنفس الطائفي والمظلومية، وتجد هذا النفس منتشراً في (العراق وسورية ولبنان) حتى أصبح الإنسان في ذلك المجتمع يرى أن الطائفة أولوية قبل الوطن، ولعل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن يمثلون ذلك، من أجل ذلك يرتبط بشكل طائفي مع إيران، ويصبح أحد جنودها، وقد لعبت إيران هذا الدور بشكل قوي في اليمن - حاليا - من خلال الحوثي الذي انقلب على الشرعية.

أما القسم الرابع والذي يأخذ مفهوم البرغماتية الإعلامية التي تؤمن بالنتائج ومبدأ النفعية بغض النظر عن المبادئ والقيم فيمارس صرف انتباه الجماهير الإيرانية عن احتياجاتهم الحقيقية من التعليم والتطور الاقتصادي والاجتماعي، ويشغلهم بأن الدولة في حالة حرب دائمة، مما يحتم عليهم الانكفاء حول قيادتهم المضللة، متناسين بشكل قسري احتياجاتهم الأساسية فتصبح الجماهير ضحية خطاب إعلامي مضلل.

إن جزءا من الإستراتيجية لمواجهة هذا المخطط، هو كشفه، وكشف أدواته وعناصره، ومخاطبة الجماهير الإيرانية المظلومة، وبناء وعي إيراني يعمل مع جيرانه وليس ضدهم لمجتمع منفتح، وأن تواجه الجماهير الإيرانية والقوميات العربية التي تخضع تحت نظام القمع الفكري، نظام الملالي الظلامي داخليا وخارجيا.