&أحمد الحناكي&&

أؤمن تماماً بأهمية الإعلام، سواء من حيث إبراز الوجه الإيجابي للبلاد أم الدفاع عنها أم لدوره التقييمي والنزيه في حال رغب القائمون عليه ذلك.


شاهدت قبل ليال مسلسلاً أميركياً على شبكة "نتفليكس"، إذ تدور معظم الحلقات عن رئيس أميركي يتميز بالصفات التي يحلم بها أي شعب من حيث النزاهة والإخلاص والشجاعة والذكاء وخلافه. وبعيداً من الأحلام التي لا يمكن تحقيقها في أميركا بالذات، فإن هذا المسلسل كشف عن حقيقة مفاجئة في الحياة الأميركية أجزم بأن كل شعوب عالم تجهلها وأنا أحدهم.

إحدى الحلقات الأخيرة كانت عن الانتخابات التي يسعى فيها الرئيس إلى إعادة انتخابه كمستقل حتى لا يضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة لأحد الحزبين، أخبر القائمون على حملة الرئاسة رئيسهم أن أحد رجال الأعمال السعوديين سيزوره في المكتب وسيتبرع بمبلغ خيالي لدعم حملته وأن عليه أخذ صورة معه كشرط لتشجيع رجل الأعمال، فقال الرئيس: بل "سأبتسم له أيضا".

عندما أتى رجل الأعمال مرتدياً الشماع بطريقة مضحكة ومعه فتاة صغيرة في السن (14عاماً) سألها الرئيس مجاملاً هل أنتِ سعيدة بالزيارة مع والدك؟ فأجاب الزائر السعودي: "إنها زوجتي وليست ابنتي"، هز الجواب الرئيس الأميركي، لكن الموضوع انتشر في الأوساط الإعلامية، خاصة بين الموالين للمنافسين في الإعلام، في حين أن مستشاري الرئيس نصحوه بأن يشجب سلوك الزوج الذي يخالف حقوق الإنسان، وأن يطالب المملكة بأن تسارع إلى تحقيق انفراج لهذا "الملف".

غير أن الرئيس أجاب بأن للسعودية خصوصيتها الدينية فضلاً عن العادات والتقاليد، مشيداً بتغييرات ولي العهد. وقال إنه لن يخسر السعودية كحليف قوي بسبب شأن داخلي. الإعلام من جهة أخرى، قابل الرئيس وسأله بشكل صريح عن رأيه فقال: "بالطبع لا أقبل هذا، فابنتي أنا تكاد تبلغ الرابعة عشر وهي طفل، مؤكداً استنكاره للأمر.

خلال المؤتمر الصحافي المعتاد في البيت الأبيض، تطرق الإعلاميون للقضية، سائلين الناطق الإعلامي عن الموضوع، وقال أحدهم: "ربما لا يستطيع الرئيس انتقاد السعودية في هذا الشأن، إذا كان لم يفعل شيئاً لبعض الولايات الأميركية التي تبيح الزواج ممن هم دون الـ 14 عاماً"، ثم ذكر ولايات عدة.

عندما عاد الناطق باسم البيت الابيض إلى الرئيس، قرر الأخير أن يصدر قانوناً يمنع الزواج لمن هم دون الـ18 عاماً، غير أنه فوجئ بأن القضية ليست سهلة وأنها معارضة لمبدأ الحرية الشخصية. المهم أن الموضوع تشعب، خاصة أنه طرح أثناء معمعة الامتحانات، والمحصلة أن الرئيس أجل القضية مع أنه كان من أشد المنافحين عنها.

القضية الأخرى، وإن كانت خيالية، فإنها تعبر عن معاناة الرئيس مع الكونغرس والمنافسين من المعارضة، وكانت تتعلق بمنظمة إرهابية تريد تسميم الأميركيين من غير البيض، أياً كانت أصولهم ، ولا يريد البيت الأبيض أن يبث إعلاناً عنها خوفاً من أن يبث الهلع في قلوب المواطنين، وعليه سيضطر إلى أن يتعاون مع حكام الولايات لمراقبة أماكن التسمم، على رغم أن هؤلاء من المحسوبين على منافسيه من أحد الحزبين، لكن لم يكن هناك بدٌ من ذلك، وأثناء تواصله معهم وعدوا بالتعاون، وبدلاً من ذلك، أعلنوا الخبر لأسباب انتخابية من دون أن يكترثوا إلى رد فعل الشعب الأميركي.

ماذا يعني هذا؟ أولا: أن الأميركيين كالعادة يحشرون أنفسهم في كل قضية تخص الدول الأخرى، سواء كان الأمر حقاً أم باطلاً، ثانياً: من المعيب أن يمثل دور السعودي، البليونير المزعوم، رجل لا يعرف لبس الثوب أو الشماغ ويتم تقديمه بهذه الطريقة الهزلية، وثالثاً: موضوع الزواج في السعودية مطروح على أعلى المستويات لحله جذرياً، مع العلم أن زواج طفلة في الرابعة عشر أو أقل، يكاد يكون نادراً، بل نادراً جداً، لكن الملفت أو لعله الإيجابي في الموضوع هو أن سفيرتنا في المسلسل طلبت مقابلة الرئيس ووبخته، وعددت له مسلسل انتهاك حقوق الإنسان في أميركا وخارجها بطريقة مذهلة تمنيتها في الواقع بكل صراحة. أما ما يحدث في أميركا وصراعات الانتخابات التي يكون فيها المواطن الأميركي آخر هموم المسؤولين فهي مأساة أخرى.

&