&عبدالله بن بخيت

تعلمت في حياتي ألا أقدس إلا المقدس، ثمة درجات تقدير للرجال والنساء العظام أعلاها المقدس.. نحن نقدر فلاناً ونحترم فلاناً ونجل فلاناً ثم نتوقف عند ذلك. كمسلمين نقدس رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام لأن الله اصطفاه، كل من يقرأ هذه الأسطر في هذه اللحظة يؤمن على كلامي ويشهد له، ولو كان الأمر عند هذا الحد النظري الذي نتفق عليه لأصبحت حياتنا سعيدة محاطة بالسلام والمحبة والحرية.

التقديس لغير المقدس (الله ورسوله) مشاعر مذلة، أشد من الرق، الإنسان المسترق لا يضحي من أجل سيده بأي شيء بل هو في حالة عداء خفية معه، الرقيق يعرف أنه مسترق ويسعى إلى الحرية.. حر في داخله.

التقديس لغير المقدس أن تكون رقيقاً مستعبداً وسعيداً برقك وعبوديتك، على المستوى النظري من الصعب أن يميز بعض الناس بين التقديس وبين الإجلال، أستاذك أو شيخك قد يصل تقديرك له حد الإجلال، ولكن مرحلة الإجلال حساسة وخطيرة، أي زيادة فيها ستأخذك إلى التقديس دون أن تشعر بذلك، عندما تتماهى معه وتكسو هذا التماهي غطاء دينياً أو قومياً يكون المرء منح هذه القدسية الغلاف الذي تحتاجه وتتخفى تحته، يتماهى الإنسان البسيط مع الشيخ أو الأستاذ إلى درجة يعجز عن الفكاك من الدوران في فلكه، تقل في نظره أخطاء الشيخ بالتدريج إلى أن تتلاشى. الخيال كفيل بإزالة الواقع من الطريق، يعمل العقل عكس وظيفته، يعمل على إضعاف حضوره عندما يحضر الشيخ أو طارئ الشيخ، لا يسمح لأحد بنقد الشيخ أو الاقتراب من آرائه إلا بالمديح والإطناب، يضطر عند الدفاع عن شيخه أن يرفع درجة التبرير والمراوغة وأحياناً يستخدم الغضب والاتهامات وإذا أتيحت له الفرصة لا يتردد عن الإيقاع بمنتقدي شيخه وإيذائهم أشد الأذى.

مشاعر الغضب والرغبة في إسكات منتقدي شيخه أو مقاطعة مجالسهم أو "تبليك" حساباتهم هي من أبرز أعراض التقديس، يستطيع كل منا إجراء اختبار على نفسه حسب اتجاهاته وأيديولوجيته وأفكاره، من الشيخ، ومن الزعيم التاريخي أو المفكر أو الفيلسوف الذي ترى أنه يشكل مناراً لحياتك الثقافية أو الدينية أو المعرفية؟ الارتباط بالشيخ أو بالمفكر أو الكاتب يفترض أن يكون ارتباطاً ثقافياً ومعرفياً ويتوقف عنده، ولكن في اللحظة التي يتحول فيها إلى عاطفي تبدأ عملية الاستحواذ، في حال ارتبطت بشيخك أو مفكرك عاطفياً يكون دخل عليك في مناطق سيادية، ارتباط يتعلق بمصيرك.

لكي تعرف أن ارتباطك بشيخك ارتباط سيادي إذا لحظت على نفسك أنك تزين أخطاءه أو تبررها أو تخفيها، تدافع عنها كما تفعل في دفاعك عن والديك، هذا يعني أن علاقتك به ارتقت إلى أعلى من الإجلال.