&محمد آل الشيخ&&

من المعروف أن الأمريكيين يكرهون الحروب وإرسال أبنائهم ليموتوا خارج بلادهم، وإنفاق ثرواتهم في تلك النزاعات التي يرى كثير منهم أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل بدلاً من الاستفادة منها في الداخل الأمريكي؛ غير أن الرياح ليست دائماً تجري بما يشتهيه البحَّارة، الأمر الذي يضطر الساسة في مواقف كثيرة لاتخاذ قرارات ربما تكون مؤلمة أو لا يرغبون فيها، لكن لا مناص من اتخاذها للحفاظ على قوة أمريكا وهيبتها وهيمنتها، أو الدفاع عن مصالحها الحيوية. وهذا ما يواجهه الرئيس ترامب هذه الأيام.

الإيرانيون يعلمون أن الأمريكيين جادون هذه المرة في كبح جماح طموحاتهم التوسعية، وتقليم أظافرهم بالقدر الذي يضطرهم لأن يكونوا دولة طبيعية، ويتخلوا عن أحلامهم المجنونة، وغير المتماهية مع العصر بحال من الأحوال. ومنذ أن انسحب الرئيس ترامب من اتفاقية فينا مع إيران، وإقراره عليها عقوبات اقتصادية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وإيران تحاول أن تتفلت من العقوبات، وتسعى إلى الالتفاف عليها، إلا أنها كما يبدو لم تحقق من النجاح ما يكفل لها دخلاً مناسباً، تستطيع به أن تصرف على الداخل الإيراني، وكذلك تمويل أذرعتها في المنطقة، وهو الأسلوب الذي حقق لها نجاحاً كبيراً نسبياً، دون أن يكلفها خسائر بشرية إيرانية مباشرة.

فشل الإيرانيين في التهرّب من العقوبات الأمريكية أثَّر كثيراً على إيران تأثيراً عميقاً، فالتومان عملتها الرئيسية انخفضت أسعار صرفها في مقابل الدولار إلى ما يقارب نصف أسعارها ما قبل العقوبات، إضافة إلى أن التضخم المالي داخل إيران تجاوز 50 % كما تقول الأخبار، وازدادت معدلات البطالة، وارتفعت نسبة الفقر إلى قرابة الخمسين بالمائة بين المواطنين، أضف إلى ذلك أن أذرعة إيران في المنطقة أصبحت تعاني شحاً كبيراً في الموارد بالشكل الذي يهدِّد تهديداً خطيراً قوة ونفوذ هذه الأذرعة في المنطقة، والتي استثمرت لبنائها كثيراً من مداخيلها خلال الأربعة العقود الماضية، الأمر الذي يجعل إيران، وربما لأول مرة في تاريخها، تواجه تحديات (وجودية) حقيقية تنذر بنسف مشروعها التوسعي الذي بدأ في عهد مؤسسها الخميني، وحتى كتابة هذا المقال فإن كل المؤشرات تؤكّد أن الظروف المعاصرة وبالذات في عهد الرئيس ترامب، تتجه لأن تكون طموحات إيران في القريب العاجل ضرباً من ضروب المستحيلات؛ فالإيرانيون اليوم يعيشون خيارين لا ثالث لهما، إما (الثورة) والسقوط وربما التفكك إلى عدة دول أو (الدولة) والبقاء والتطبيع مع دول العالم، وبالذات دول الجوار. وخيار الدولة يعني بالضرورة التخلّي عن طموحاتها التوسعية وأحلامها الإمبراطورية، وتصدير الثورة، الذي هو في كنهه وتفاصيله (تشييع) المنطقة على المذهب الصفوي الذي يقف على هرمه الولي الفقيه.

إيران ليس لديها خيارات، ولا أعتقد أنها ستفلت هذه المرة، إلا بتوقيع اتفاقية جديدة تتضمن ثلاثة شروط رئيسية التخلّي وإلى الأبد عن مشروعها لإنتاج الطاقة النووية. التخلّي عن صناعة الصواريخ البالستية. التخلّي عن سلوكياتها التوسعية، والكف عن التدخل في شؤون الدول المجاورة واحترام خصوصياتها. ولا أعتقد أن الإيرانيين، مهما حاولوا المكابرة والعناد يستطيعون المناورة أكثر، لاسيما وأن استمرار العقوبات ليست في مصلحتهم مما سينتهي بهم إلى السقوط الحتمي في نهاية المطاف.