& حمود أبو طالب

في الأدبيات السياسية للجمهوريات العربية يتم رفع شعارات الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة وفق انتخابات حرة نزيهة تضمن وصول من يختارهم الشعب من ممثليه في الأحزاب المتنافسة، لكن هذه الشعارات غير مسموح لها بالتطبيق لأنها موجودة فقط في الأوراق والخطب الرنانة، أما الواقع فليس فيه غالباً سوى حزب واحد هو حزب الزعيم الأوحد الملهم الذي يكتسح عادة بقية الأحزاب في انتخابات مرتبة سلفاً، كي يبقى هذا الزعيم جاثما على بلاده ما أمد الله له من العمر بتعديلات دستورية تسمح بترشحه وإعادة انتخابه مرات عديدة استجابة لرغبة الجماهير ونزولا عند إرادتهم كما يصرح أولئك الزعماء الأفذاذ الملهمون.

هذه الممارسة سببت خرابا لكثير من البلدان وكانت عاملا مهما في تسهيل انتشار الفوضى والتدخلات فيها، وقد رأينا ذلك في دول الربيع العربي، وآخر مثال ما حدث في السودان بعد حكم ديكتاتوري بدائي للبشير استمر قرابة ثلاثة عقود دفع بالسودان عقودا طويلة إلى الوراء، ومع كل ذلك فقد حدثت ممارسة مدهشة كانت مفاجئة بسلاستها وصدقها وسلميتها، جاءت هذه المفاجأة من دولة عربية هادئة مسالمة بعد معايشتها لانقلابات متوالية منذ عام 1978 إلى عام 2008 عندما جاء رئيس التزم بالدستور الذي ينص على عدم أحقيته بالترشح بعد ولايتين.

لقد فاجأتنا موريتانيا بما حدث فيها مؤخراً عندما لم يرتكب الرئيس محمد ولد عبدالعزيز حماقة العبث بالدستور وفرض نفسه لولاية جديدة بتحشيد حاشيته وأعوانه وأنصاره، صحيح أن الذي فاز كان مؤكدا فوزه، لكن رغم أي شيء لم يكن ذلك المرشح هو الرئيس كما جرت العادة في بلدان أخرى. كانت تجربة ديموقراطية جميلة حدثت دون صخب وتوتر وصراع وفوضى، ليت بقية «الجمهوريات» تتعلم منها.