&أحمد الصياد&

مع بداية الألفية الثالثة، شهدت القارة الإفريقية اهتماماً واسعاً من القوى العالمية كافة، بحثاً عن كنوزها الهائلة التي ما زالت تحتفظ بها، بسبب ضعف عمليات التنمية وتباطؤها. ولعل آخر مظاهر هذا الاهتمام كان سعي روسيا إلى تأسيس "منتدى الأعمال الروسي ـ الإفريقي" الذي سينطلق من منتجع سوتشي الروسي في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بمشاركة الكثير من الدول والشركات الدولية والحكومية، بالإضافة إلى رؤساء دول وحكومات. يُضاف ذلك إلى "منتدى التعاون الصيني ـ الإفريقي"، الذي سبق الجميع، إذ تمتد جذور فكرته إلى العام 2000، وافتتح رسمياً في جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) 2015، بقمة رفيعة المستوى، بغرض تعزيز التعاون بين الصين والدول الإفريقية، والمواجهة المشتركة لتحديات العولمة الاقتصادية والسعي إلى التنمية المشتركة. إلى جانب "منتدى أوروبا ـ إفريقيا" الذي انعقد في كانون الأول من العام الماضي في فيينا، تحت عنوان: "التعاون في العصر الرقمي"، بعد أن ركز المنتدى ذاته في دورته السابقة في عام 2017، التي انعقدت في بروكسيل، على إيجاد نموذج جديد للشراكة في قطاع الأعمال الخاصة والمساهمة في تحقيق أهداف تنموية عالمية مستدامة بحلول العام 2030. وكان البنك الدولي أعلن العام الماضي تخصيص 45 بليون دولار للاستثمار في إفريقيا بين العامين 2019 إلى 2021، تركز معظمها على برامج التعليم والخدمات الصحية الأساسية والمياه النظيفة والصرف الصحي والزراعة ومناخ الأعمال والبنية التحتية. كما أن للبنك الدولي رؤية عامة مفادها أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن القارة الإفريقية. وتُعد إفريقيا أكثر أقاليم العالم ديناميكية في العقد الحالي في معدل تزايد إنشاء صناديق الثروة السيادية بوجود 21 صندوقاً بإجمالي 165 بليون دولار مع نهاية العام 2018.


وعلى المستوى الإفريقي الداخلي، وتعزيزاً لأواصر التعاون بين البلدان الإفريقية، استضافت مصر في أيلول (سبتمبر) 2018 "منتدى إفريقيا" في نسخته الثالثة. وعلى رغم ذلك، بقيت التجارة البينية الإفريقية تعاني عوامل ضعف كثيرة، ووفق تحليل "البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير" فإن أحد الأسباب الرئيسة وراء انخفاض التجارة بين البلدان الإفريقية، نحو 15 في المئة، مقارنة بأوروبا (59 في المئة)، وآسيا (51 في المئة)، وأميركا الشمالية (37 في المئة)، هو عدم الوصول إلى المعلومات التجارية والسوق. ويمكننا أن نضيف هنا ضعف البنى التحتية والتكنولوجية والمعلوماتية بعامة، وكثرة النزاعات المسلحة التي تهدد الاستقرار الجاذب للاستثمار والتعاون الدولي. وفي الوقت الذي تعاني فيه حركة التجارة العالمية جراء الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ينطلق الحلم الإفريقي بإطلاق "القمة الإفريقية" الاستثنائية في نيامي. ووفقاً لبيان صدر حديثاً عن الاتحاد الإفريقي؛ يتوقع أن تؤدي منطقة التجارة الحرة الإفريقية إلى "إلغاء تدريجي للرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، ما يشجع التجارة داخل القارة ويتيح للدول الإفريقية التحرر من نمط اقتصادي يتميز بتركيز مُفرط على استغلال المواد الأولية".

وتُعد إفريقيا، ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان؛ إذ تأتي بعد آسيا، بمساحة تبلغ 30.2 مليون كيلو متر مربع، وهي مساحة تغطي ستة في المئة من إجمالي مساحة سطح الأرض، وتشغل نحو 20.4 في المئة من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ عدد سكانها نحو 1.2 بليون نسمة، وفق تقديرات العام 2016، تضمهم 55 دولة، وبما نسبته نحو 14.8 في المئة من سكان العالم.

وتُشير بيانات الاتحاد الإفريقي، إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية ستنتج أثراً ملحوظاً في التجارة البينية الإفريقية، وتدعم الاقتصادات الإفريقية عموماً، ليزيد حجم التجارة البينية الإفريقية بعد تطبيق الاتفاقية بنسبة 60 في المئة بحلول العام 2022، مع تمهيد الطريق لإنشاء اتحاد جمركي بعد أربعة أعوام ومجموعة اقتصادية موحدة بحلول العام 2028، مع رفع الناتج المحلي الإجمالي لمعظم الدول الإفريقية ما بين واحد وثلاثة في المئة. ولا شك أن قفزة غير مسبوقة تحققها التجارة البينية الإفريقية، كما هو متوقع، تُعد محفزاً لدعم أواصر التعاون السياسي أيضاً في القارة، الأمر الذي يدعم مساعي إيجاد حلول سلمية لكثير من النزاعات المسلحة التي تُلقي بالفرص التنموية للقارة السمراء بعيداً من مسارها الصحيح، ما يدفع بجهود التنمية المستدامة إلى آفاق بعيدة قادرة على تلبية طموحات الشعوب الإفريقية في حياة أفضل.