&طوني فرنسيس&

ترعى أميركا لبنان من قرب ولا تدع مناسبة إلا وتجدد دعمها له. في عقود الاقتتال والغزو الاسرائيلي والوصاية السورية، لم يخل بيان أميركي من تمسك واشنطن باستقلال ووحدة لبنان وسيادته. وفي مرحلة لاحقة، ساندت القرارات الدولية القاضية بإخراج الجيوش والميليشيات الأجنبية من لبنان، وتولت دعم الجيش والمؤسسات الأمنية تدريبا وتسليحاً، وشاركت بفعالية في كل المؤتمرات الخاصة بدعم عمليات الإعمار والتنمية والاستقرار...


الأمر عينه تقوم به الولايات المتحدة في العراق منذ إطاحتها بالقوة نظام صدام حسين. دعمت تحولاً في السلطة أدى الى تمكين التنظيمات الشيعية، وبينها من نشأ واستعد في ايران فوالاها والتحق بسياستها، وأقامت نظاماً يقوم على اقتسام طائفي وقومي جديد لمقدرات البلد، وكانت الحصيلة بعد 16 عاماً توطيداً لنفوذ "الحرس الثوري" الايراني الذي صنفته مطلع نيسان (أبريل) الماضي تنظيماً إرهابياً.

تقيم أميركا في العراق قواعد عسكرية ضخمة تواجه تحديات مباشرة من تنظيمات موالية لإيران، إلا أنها تشاركت معها حرباً ضد "الإرهاب" و"داعش" في الموصل وسهل نينوى. وفي سورية، صدف أن انخرط أميركيون وإيرانيون وميليشيات تابعة لهم في حرب وصفت أيضا بأنها "ضد الإرهاب". لم يحصل تنسيق مباشر إلا أن اللقاء الموضوعي حول الهدف المعلن كان حاصلاً، بقيادتين مختلفتين، واحدة تنتمي الى الأسد واُخرى الى التحالف الدولي...

في العراق ولبنان، تعاني السياسة الأميركية التباسات متشابهة نتيجة تنامي نفوذ خصمها الإيراني، ووصول العلاقة بينهما الى حافة الصدام. والنتيجة إعفاء العراق من مرتبات العقوبات على إيران بما يسمح له بمواصلة استيراد الغاز والطاقة الكهربائية منها، وتحويل البلاد إلى "صراف إيراني" كما يقول منتقدون عراقيون. وفي لبنان، لا تمنع العقوبات على قيادات في "حزب الله"، وآخرها تناول نائبين ومسؤولاً كبيراً، النظام المصرفي من العمل ضمن الشروط الدولية والأميركية برعاية الدولة وتوجيهاتها.

إلا أن هذا المشهد عرضة للاهتزاز مع تصاعد حدة المواجهة بين طهران والغرب من جهة، وبينها وبين المجموعة الخليجية العربية من جهة ثانية. فالتوتر الإيراني يترجم حوادث خطيرة في الخليج العربي ومضيق هرمز. والردود الدولية تتوالى ضغطاً لتصفير الصادرات النفطية الايرانية وشل قدرات طهران العسكرية. وإدراج "الحرس الثوري" في قائمة المنظمات الإرهابية، خطوة متقدمة في الضغوط التي طالت المرشد الإيراني وزعيم "حزب الله" اللبناني وعدداً من أركانه، وما إضافة نواب من الحزب إلى لائحة العقوبات، إلا تصعيداً واستهدافاً لـ "الحرس" والقيادة الايرانية بالذات، آخذا بعين الاعتبار العلاقة الوثيقة بين تلك القيادة و"حزب الله"، والتي دفعت الأمين العام للحزب في أيار (مايو) الماضي إلى التهديد نيابة عن المرشد وإيران بـ "ردود قاسية" على القرارات الأميركية.

استثنت واشنطن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف من العقوبات، واختارت نائب بيروت أمين شري لتعاقبه. في الشكل هناك ما يثير الضحك، لكن في المضمون هذا واقع الأمر من لبنان الى العراق، ففي البلدين متسع لصناديق بريد كثيرة، أما الظريف فمتروك للحظة التفاوض عندما يحين أوانها.